السؤال :
سائلة تقول: أنا من عائلة ديِّنة، وأقيم الفرائض والحمد لله على هدايته، وقد كان أجدادي في حياتهم محافظين على المبادئ الدينية الصحيحة، وتيمنًا بهم فإننا نقوم بزيارة لقبورهم أنا وأولادي بين فترةٍ وأخرى، وننذر لوجه الله تعالى ولروح النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والآل الكرام، ونفي لهم بالنذور بإطعام المساكين أو توزيع الطعام لوجه الله ولروح النبي صلى الله عليه وسلم ولأرواحهم؛ فهل يجوز لنا ذلك؟
الجواب :
أمَّا ما ذكرت السائلة من صلاح آبائها وصلاحها؛ فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون ذلك صحيحًا، وأن يتقبل منا ومنهم.
وأما ما ذكرت من التيمن بزيارة قبورهم؛ فهذا لا يجوز؛ لأن التيمن بزيارة القبور يعتبر من البدع أو من وسائل الشرك، وإذا كان القصد التبرك بزيارة قبورهم والاستغاثة بهم؛ فهذا شرك أكبر.
وإنما تُزَارُ القبورُ لأحد أمرين:
إما للدعاء للأموات والاستغفار لهم والترحم عليهم.
وإما للاعتبار بحالهم وتذكر الآخرة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (زُورُوا القُبورَ؛ فإنّها تُذَكِّرُ بالآخرة) [رواه الإمام مسلم في "صحيحه" (2/671) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (... فزوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت)، ورواه الترمذي في "سننه" (4/9) من حديث بريدة بلفظ: (... فزوروها...)، ورواه أبو داود في "سننه" (3/216) من حديث بريدة رضي الله عنه بلفظ: (... فزوروها؛ فإن في زيارتها تذكرة).].
وأما أن تُزَارَ للتيمن بها؛ فهذا لا يجوز ولا يُقرّه الإسلام.
وأما ما ذكرت من فعل النذور لروح النبي صلى الله عليه وسلم ولأرواح الموتى؛ فهذا أيضًا لا يجوز؛ لأنه لم يكن من هدي السلف الصالح والقرون المُفَضَّلة أنهم ينذرون لروح النبي صلى الله عليه وسلم، وربما يكون هذا شركًا أكبر إذا كان النذر لروح النبي من باب التقرب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النذر عبادة، وصرفها لغير الله من الشرك الأكبر، وإن كان القصد أنهم ينذرون لله عز وجل ويهدون ثوابه لروح النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا من البدع؛ لأنه شيء لا دليل عليه من الكتاب والسنة ولم يفعله السلف الصالح، وإنما الواجب للنبي صلى الله عليه وسلم علينا محبته واتباعه والاقتداء به والصلاة والسلام عليه وسؤال الله الوسيلة له بعد الأذان.
وكذلك النذر لأرواح الموتى؛ إما أنه من وسائل الشرك، أو من الشرك.
إذا كان النذر يُقصَدُ به التقرب إلى الموتى فإنه يكون شركًا أكبر يُخرِجُ من المِلَّة، وإن كان النذر لله سبحانه وتعالى ويُهدى ثوابُهُ للموتى؛ فهذا أيضًا لم يَرِد به دليلٌ؛ فهو بدعة ووسيلة للشرك.
وإنما الذي ينبغي أن يُتصَدَّق عن الميت على المحتاجين؛ فالمشروع هو الصدقة عن الميت والدعاء للميت والاستغفار له، هذا هو المشروع لأموات المسلمين، وكذلك زيارة قبورهم على ما ذكرنا بالدعاء لهم والاستغفار لهم والترحم عليهم والاعتبار بحالهم، وهذا خاص بالرجال، أما المرأة؛ فلا يجوز لها أن تزور القبور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ الله زوَّاراتِ القبورِ) [رواه الإمام أحمد في "المسند" (2/337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن..."، ورواه الترمذي في "سننه" (4/12) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن..."، ورواه ابن ماجه في "سننه" (1/502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم...".]، وفي رواية: (لَعَنَ الله زائراتِ القُبُورِ) [رواها الإمام أحمد في "المسند" (1/229) من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم..."، ورواه أبو داود في "سننه" (3/216) من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم..."، ورواه الترمذي في "سننه" (2/4) من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم...".].
واللعن يقتضي أن هذا كبيرة من كبائر الذنوب؛ فلا يجوز للمرأة أن تزور القبور، وإنما هذا خاص بالرجال.