السؤال :
كيف نوفق بين الدين والعلم في أمور ظاهرها التعارض بينهما فمثلا عرفنا في الدين: أن النجوم خلقت لثلاثة أشياء: خلقت زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وجعلت علامات يهتدى بها، وقرأنا في الجغرافيا: أنها مجموعة أجرام لها نظام معين في الدوران، وأن ما نشاهده ليلا يحترق ويسقط إنما هو نيازك وشهب تخرج من جاذبية إلى جاذبية الأرض فتحترق وتسقط بسرعة 45 ميلا في الثانية.
الجواب :
إن الذي أنزل القرآن المجيد وأوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة الإسلام هو الله العليم الحكيم الذي خلق السموات والأرض وخلق كل شيء وسخره لما خلق له وعلم ما أودعه فيه من الخصائص والأسرار فلا يمكن أن يتناقض ما أخبر به أو شرعه مع ما خلقه وسخره لعباده، بل كل ذلك متسق اتفق فيه خبره وشرعه مع كونه وقدره، فخبره يطابق الواقع وتكوينه وتسخيره يصدق مقتضى خبره.
فإن ظن إنسان التعارض بين خبر الله في كتابه أو خبر نبيه صلى الله عليه وسلم الثابت بالنقول الصحيحة فإنما أتي من قبل قصور عقله أو سوء فهمه وقلة اطلاعه أو تحصيله للعلوم الكونية والنصوص الشرعية.
مثال ذلك: ما جاء في كتاب الله تعالى من قوله سبحانه: إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب وقوله: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير وقوله: ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين وقوله: وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون وقوله: وعلامات وبالنجم هم يهتدون وجاء في السنة الصحيحة شيء من ذلك يتفق مع نصوص القرآن في المعنى.
ومن نظر في هذه الأخبار وجدها واضحة في بيان بعض خواص النجوم وفوائدها، وليس فيها ما يدل على حصر فوائد النجوم ومزاياها في الأمور الثلاثة التي ذكرت فيها.
كما أنه ليس فيها ما يدل على حصر الشهب التي نراها فيما ترجم به الشياطين من شهب النجوم ويرمى به مسترقو السمع منهم، كما أنه ليس فيها تعرض لشهب أخرى نفيا أو إثباتا، يعرف ذلك من درس لغة العرب وعرف ما في أساليبها من أدوات القصر التي يضمنونها كلامهم لإفادة الحصر والدلالة عليه.
فإذا ثبت في العلوم الكونية أن هناك حجارة وأجراما منتثرة في الجو وأنها مجموعات تقع كل مجموعة منها في دائرة جاذبية كوكب أكبر منها، وأنها إذا انحرفت عن دائرة جاذبية هذا الكوكب فبعدت منه وقربت من دائرة جاذبية كوكب آخر سقطت بسرعة، وتولد عن احتكاك سطحها بسطوح أخرى شعلة نارية هي الظاهرة الكونية التي تسمى: الشهب.
إذا ثبت هذا فإنه لا يتنافى مع ما جاء في نصوص الشريعة الإسلامية من النصوص التي فيها مجرد الإخبار برجم الشياطين بشهب من النجوم، إذ من الممكن أن تحدث ظاهرة الشهب من الأمرين إذ ليس في العلوم الكونية ما يدل على حصر الشهب فيما يتساقط من غير الكواكب، كما أنه ليس في النصوص حصر الشهب فيما يتساقط من الكواكب لرجم الشياطين.
أما النيازك التي ذكرها السائل فهي عند علماء الجغرافيا رجوم إذا سقطت إلى سطح الأرض لا تحترق ولا تتحول إلى رماد فليست نوعا من الشهب، بل نوع من الرجوم مقابل للشهب.
فعلى السائل أن يتثبت في معلوماته وأن يتبصر في شئون دينه ودنياه، ورحم الله امرءا عرف قدره ووقف فيما يستشكل عند حدود مستواه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو، عضو، نائب رئيس اللجنة، الرئيس
عبد الله بن قعود، عبد الله بن غديان، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز