السؤال :ما حكم رجل يسمي نفسه مسلماً مع تركه الصلوات الخمس ، وصومه رمضان من أوله إلى آخره يفطر بالخمر بعد الغروب ويحرم على نفسه ذبائح النصارى؟الجواب : لا يكون الرجل مسلماً بمجرد قوله أنا مسلم «فإن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال»([19]) وكل من الإيمان والإسلام له أركانه جاء بيانها في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه قال: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس عند النبي r ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي r فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله r : «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا». قال صدقت ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال: فأخبرني عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» قال: صدقت قال: فأخبرني عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» . قال صدقت - الحديث - إلى أن قال .. ثم انطلق فلبث ملياً ثم قال لي: «ياعمر أتدري من السائل» قلت الله ورسوله أعلم . قال «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» ([20]) ففي هذا الحديث بيان درجة الإسلام ودرجة الإيمان ودرجة الإحسان ، فأما الإسلام فقد فسره النبي r بأعمال الجوارح الظاهرة من القول والعمل ، وأول ذلك شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهو عمل اللسان ، ثم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا. وهي منقسمة إلى عمل بدني كالصلاة والصوم وإلى عمل مالي وهو إيتاء الزكاة ، وإلى ما هو مركب منهما كالحج بالنسبة إلى البعيد عن مكة، فمن أكمل الإتيان بمباني الإسلام الخمس صار مسلماً حقاً مع أن من أقر بالشهادتين صار مسلماً حكماً فإذا دخل في الإسلام بذلك ألزم بالقيام ببقية خصال الإسلام . فإن جميع الأعمال الظاهرة داخلة في مسمى الإسلام ومما يدل على ذلك قوله r: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»([21]) وفي الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي r أي الإسلام خير قال: «أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»([22]) وما أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي r قال: «ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتوحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى رأس الصراط داع يقول: يا أيها الناس أدخلوا جميعاً لا تراجعوا وداع يدعو من جوف الصراط فإذا أراد أحد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه ، والصراط الإسلام والسوران حدود الله عز وجل ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من جوف الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم»([23]) زاد الترمذي: «والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم» ففي هذا المثل الذي ضربه النبي r أن الإسلام هو الصراط المستقيم الذي أمر الله بالاستقامة عليه ونهى عن مجاوزة حدوده ومن ارتكب شيئاً من المحرمات فقد تعدى حدوده .. وأما الإيمان فقد فسره النبي r بالاعتقادات الباطنة وهذا التفسير للإيمان يكون في حالة إذا ما اجتمع مع الإسلام كما في الحديث السابق ، وبيان ذلك أنه إن ذكر الإسلام مفرداً دخل فيه الإيمان كما في قوله تعالى «إن الدين عنـد الله الإسلام» وإذا ذكر الإيمان مفرداً دخل في الإسلام كما في قوله r: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شبعة فأفضلها قول لا إلـه إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» أخرجاه في الصحيحين واللفظ لمسلم.
أما إذا اجتمعا فإن الإيمان يفسر بالأعمال الباطنة والإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة كما في قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} فإن هؤلاء لم يكونوا منافقين على أصح التفسيرين، وهو قول ابن عباس وغيره([24]) ، بل كان إيمانهم ضعيفاً ، ويدل على ذلك قوله تعالى في آخر الآية: {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً} الآية يعني لا ينقصكم من أجورها، فدل على أن معهم من الإيمان ما يقبل به أعمالهم فأما اسم الإسلام فلا ينتفي بانتفاء بعض واجباته أو إتيانه بعض المحرمات ، وإنما ينتفي بالإتيان بما ينافيه بالكلية كترك الصلاة، كما في قوله r «لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة»([25]) أو أتى بناقض من نواقض الإسلام التي أوضحها أهل العلم في باب حكم المرتد. وأما الإيمان فإنه يكون إيماناً كاملاً أو إيماناً ناقصاً. فمن أتى بأركان الإيمان وأركان الإسلام وفعل الواجبات وترك المحرمات فهو المؤمن إيماناً مطلقاً أي كاملاً ، ومن أتى بأركان الإيمان وأركان الإسلام وترك شيئاً من الواجبات مع اعتقاد وجوبها، أو فعل شيئاً من المحرمات مع اعتقاد تحريمها فهذا مؤمن إيمانا ناقصاً. وأما الإحسان فقد بينه النبي r بقوله «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ودرجة الإحسان أعلى من درجة الإسلام وأعلى من درجة الإيمان ، وإذ بينا هذا الأصل في هذا الباب ، فإن الذي يترك الصلاة لا يخلو من إحدى حالتين:
الأولى: أن يتركها جاحداً لوجوبها فهذا يكفر إجماعاً ، لأنه ترك ركناً من أركان الإسلام معلوماً بالضرورة جاحداً لوجوبه.
الثانية: أن يتركها تهاوناً وكسلاً مع إقراره بوجوبها ، فهذا يكفر في أصح قولي العلماء لقوله r «من ترك الصلاة متعمداً برئت منه ذمة الله ورسوله»([26]) رواه الإمام أحمد وهذا يدل على إباحة قتله ، وقوله r : «بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» رواه مسلم ، فهذا يدل على كفره ، وأما كون هذا الشخص يفطر على الخمر فمن كان مسلماً وأفطر على الخمر فقد أفطر على ما حرم الله ، فإن كان يعلم أنه محرم واعتقد حله فهو كافر وإن كان يشربه وهو يعتقد حرمته فهذا كبيرة من كبائر الذنوب لا يخرج بها من الإسلام ، والخمر هي أم الخبائث فلا يجوز لمسلم تعاطيها لما يترتب عليها من الأضرار الدينية والدنيوية والبدنية والنفسية والاجتماعية ، وأما كون هذا الشخص يحرم ذبائح النصارى فيحسن التنبيه هنا أن هذا الشخص إن كان يعتقد تحريمها وهو يعلم أن الله أباحها فإنه يكون بذلك كافراً لأنه اعتقد تحريم ما أحل الله وهو يعلم في باطن الأمر أنه حلال.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو، عضو، نائب الرئيس
عبدالله بن منيع عبدالله بن غديان، عبدالرزاق عفيفي،
([19]) أخرجه الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم رقم 56 موقوفاً على الحسن البصري رحمه الله
([20]) مسلم برقم 8 والترمذي برقم 2738 وأبو داود برقم 4760 والإمام أحمد 1/51.
([21]) البخاري برقم 10 و 6484 ومسلم برقم 40 وأحمد في المسند 2/160 و 163 و 187 و 191 و 192 و 195 و 205 و 206 و 209 .
([22]) الإمام أحمد 2/169 و 170 و 196 و 295 و 323 و 324 و 391 و 442 و493 و 495 و 512 والبخاري برقم 6236 ومسلم برقم 39.
([23]) أحمد 4/182 و 183 واللفظ له والترمذي في الجامع برقم 2863 وقال هذا حديث حسن غريب من حديث النواس بن سمعان وقال ابن كثير في التفسير 1/56 إسناده حسن.
([24]) ابن جرير في تفسيره 26/142 وابن مردويه كما في الدر المنثور 7/584 .
([25]) أحمد في المسائل 55 والدار قطني في السنن 2/52 وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة رقم 923 إلى 929 من حديث إبن عباس والمسور بن مخرمة عن عمر بن الخطاب موقوفاً، والآجري في الشريعة 134 وإبن سعد في الطبقات 3/351 واللالكائي في شرح أصول السنة 2/825 .
([26]) الإمام أحمد 6/421 من حديث أم أيمن والطبراني في الكبير 24/190 وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة برقم 912 من حديث أميمة مولاة النبي r واللفظ له ورقم 913 .