جديد المحاضرات
شرح رسالة أخلاق حملة القرآن للإمام الآجري رحمه الله 8 (الشيخ عبد الرحمن بن صالح محي الدين)
شرح رسالة أخلاق حملة القرآن للإمام الآجري رحمه الله 1 (الشيخ عبد الرحمن بن صالح محي الدين)
شرح رسالة أخلاق حملة القرآن للإمام الآجري رحمه الله 2 (الشيخ عبد الرحمن بن صالح محي الدين)
شرح رسالة أخلاق حملة القرآن للإمام الآجري رحمه الله 3 (الشيخ عبد الرحمن بن صالح محي الدين)
شرح رسالة أخلاق حملة القرآن للإمام الآجري رحمه الله 4 (الشيخ عبد الرحمن بن صالح محي الدين)
شرح رسالة أخلاق حملة القرآن للإمام الآجري رحمه الله 5 (الشيخ عبد الرحمن بن صالح محي الدين)
شرح رسالة أخلاق حملة القرآن للإمام الآجري رحمه الله 6 (الشيخ عبد الرحمن بن صالح محي الدين)
شرح رسالة أخلاق حملة القرآن للإمام الآجري رحمه الله 7 (الشيخ عبد الرحمن بن صالح محي الدين)
نصيحة العلامة الوالد شيخ زيد المخلي لطلبة العلم (زيد بن محمد هادي المدخلي)
حكم تارك الصلاة في المسجد ويليه حكم تارك الصلاة (عبد الرزاق عفيفي)
رد العلامة عبيد الجابري على تحريض القرضاوي على الإمارات وحكامها/3obaydaljabiri (عبيد بن عبد الله الجابري)
سنن مهجورة في رمضان (محمد ناصر الدين الألباني)
تحذير الأكارم من الوقوع في المظالم (عبيد بن عبد الله الجابري)
تبشيرُ أهلِ الحَوبةِ بآثارِ التوبة (عبيد بن عبد الله الجابري)
التحذير من مجالسة أهل البدع والأهواء (محمد بن هادي المدخلي)
العقيدة أولا لو كانوا يعلمون (محمد أمان الجامي)
الرد على الكوثري (محمد أمان الجامي)
الرد على الأشاعرة والمعتزلة (محمد أمان الجامي)
الدين النصيحة – بمدينة الإحساء (محمد أمان الجامي)
الحلال بين و الحرام بين (محمد أمان الجامي)
التفريق بين صفات الخالق و المخلوق (محمد أمان الجامي)
التعليقات المفيدة والإجابات السديدة (محمد أمان الجامي)
التجديد بمفهومية ( ما هكذا يا سعد تورد الإبل ) (محمد أمان الجامي)
الإجابة العلمية على رسالة من تاب من الحزبية (محمد أمان الجامي)
أفعال العباد (محمد أمان الجامي)
إجابات منهج أهل السنة والجماعة في الدعوة إلى الله (محمد أمان الجامي)
العلم الذي قل اليوم (محمد أمان الجامي)
القول المستفاد في مجازفات الحداد (محمد أمان الجامي)
تجاربي مع الإخوان المسلمين (محمد أمان الجامي)
سبع وعشرون سؤالا في الدعوة السلفية (محمد أمان الجامي)
جديد السلاسل العلمية
شرح أصول الايمان للإمام محمد بن عبد الوهاب (أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - صالح آل الشيخ)
شرح العقيدة الواسطية (أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - صالح آل الشيخ)
مجالس رمضانية (محمد ناصر الدين الألباني)
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع (محمد أمان الجامي)
ليس من النصيحة في شيء (محمد أمان الجامي)
شكران لا كفران (محمد أمان الجامي)
إنما الأعمال بالنيات (محمد أمان الجامي)
الحكم بغير ما أنزل الله (محمد أمان الجامي)
أسباب الإجابة (محمد أمان الجامي)
شرح الإبانة الصغرى لإبن بطة (محمد بن هادي المدخلي)
شرح الأربعين النووية (شروحات المتون - عطية بن محمد سالم )
الهجرة النبوية (عطية بن محمد سالم )
شرح متن الورقات (شروحات المتون - عطية بن محمد سالم )
شرح الرحبية (شروحات المتون - عطية بن محمد سالم )
شرح الأدب المفرد (عطية بن محمد سالم )
شرح نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (علوم الحديث - وصي الله عباس)
شرح مقدمة ابن الصلاح (علوم الحديث - وصي الله عباس)
شرح تدريب الراوي (علوم الحديث - وصي الله عباس)
فضل كلام الله و القرآن (عبد الرزاق عفيفي)
شبهات حول السنة (عبد الرزاق عفيفي)
بناء البيت الحرام (عبد الرزاق عفيفي)
الصيام ويوم عاشورا (عبد الرزاق عفيفي)
قصة الخليل إبراهيم عليه السلام (عبد الرزاق عفيفي)
تفسير بعض سور القرآن (التفسير - عبد الرزاق عفيفي)
شرح أصول السنة للإمام أحمد رحمه الله (أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - عبد الله بن عبد الرحيم البخاري)
شرح التوضيح الأبهر للسخاوي رحمه الله (عبد الله بن عبد الرحيم البخاري)
كتاب النكاح (منهاج السالكين - عبد الله بن عبد الرحيم البخاري)
شرح منظومة القواعد الفقهية للعلاَّمة السعدي رحمه الله تعالى (عبد الله بن عبد الرحيم البخاري)
شرح المنظومة البيقونية (عبد الله بن عبد الرحيم البخاري)
شرح كامل لمتن نخبة الفكر للإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى (عبد الله بن عبد الرحيم البخاري)


المصدر : مجموع فتاوى ابن تيمية
موضوع الفتوى : العقيدة
الكتاب : كتاب توحيد الألوهية


السؤال :

آثار عن السلف في باب التوسل أكثرها ضعيفة

الجواب :

فمنها حديث الأربعة الذين اجتمعوا عند الكعبة وسألوا، وهم‏:‏ عبد الله ومصعب ابنا الزبير، وعبد الله بن عمـر، وعبد الملك بن مـروان، وذكره ابن أبى الـدنيا فى كتاب ‏[‏مجابـى الدعـاء‏]‏ ورواه من طـريق إسـماعيل بن أبان الغنوى، عن سفيان الثورى عن طارق بن عبد العزيز عن الشعبى أنه قال‏:‏ لقد رأيت عجبًا، كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله ابن عمر وعبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان، فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم‏:‏ ليقم كل رجل منكم فليأخذ بالركن اليمانى، وليسأل الله حاجته فإنه يعطى من سعة‏.‏ ثم قالوا‏:‏ قم يا عبد الله بن الزبير فإنك أول مولود فى الإسلام بعد الهجرة، فقام فأخذ بالركن اليمانى ثم قال‏:‏ اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم، أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة نبيك ألا تميتنى من الدنيا حتى تولينى الحجاز، ويسلم على بالخلافة، ثم جاء فجلس‏.‏
ثم قام مصعب فأخذ بالركن اليمانى ثم قال‏:‏ اللهم إنك رب كل شىء، وإليك يصير كل شىء، أسألك بقدرتك على كل شىء، ألا تميتنى من الدنيا حتى تولينى العراق وتزوجنى بسكينة بنت الحسين‏.‏
ثم قام عبد الملك بن مروان فأخذ بالركن اليمانى ثم قال‏:‏ اللهم رب السموات السبع، ورب الأرض ذات النبت بعد القفر، أسألك بما سألك به عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحقك على خلقك‏.‏ وبحق الطائفين حول عرشك‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخره‏.‏
قلت‏:‏ وإسماعيل بن أبان الذى روى هذا عن سفيان الثورى كذاب، قال أحمد بن حنبل‏:‏ كتبت عنه، ثم حدث بأحاديث موضوعة فتركناه‏.‏ وقال يحىى بن معين‏:‏ وضع حديثا على السابع من ولد العباس يلبس الخضرة يعنى المأمون، وقال البخارى ومسلم وأبو زرعة والدارقطنى‏:‏ متروك‏.‏ وقال الجوزجانى‏:‏ ظهر منه على الكذب‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ كذاب‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ يضع على الثقات‏.‏ وطارق بن عبد العزيز الذى ذكر أن الثورى روى عنه لا يعرف من هو‏.‏ قال‏:‏ فإن طارق بن عبد العزيز المعروف الذى روى عنه ابن عجلان ليس من هذه الطبقة‏.‏
وقد خولف فيها فرواها أبو نعيم عن الطبرانى‏:‏ حدثنا أحمد بن زيد بن الجريش، حدثنا أبو حاتم السجستانى، حدثنا الأصمعى قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه قال‏:‏ اجتمع فـى الحجـر مصعـب وعروة وعبد الله أبناء الزبير وعبـد الله بـن عمر فقالوا‏:‏ تمنوا‏.‏ فقال عبد الله بن الزبير‏:‏ أما أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة‏:‏ أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عنى العلم، وقال مصعب‏:‏ أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين، وقال عبد الله بن عمر‏:‏ أما أنا فأتمنى المغفرة‏.‏ قال‏:‏ فنال كلهم ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له‏)‏‏.‏ قلت‏:‏ وهذا إسناد خير من ذاك الإسناد باتفاق أهل العلم، وليس فيه سؤال بالمخلوقات‏.‏
وفى الباب حكايات عن بعض الناس أنه رأى مناما قيل له فيه‏:‏ ادع بكذا وكذا، ومثل هذا لا يجوز أن يكون دليلاً باتفاق العلماء، وقد ذكر بعض هذه الحكايات من جمع الأدعية، وروى فى ذلك أثـر عن بعض السـلف مثـل ما رواه ابـن أبـى الدنيا فى كتاب ‏[‏مجابـي الـدعاء‏]‏، قال‏:‏ حـدثنا أبو هـاشم، سـمعت كثير بن محمد بن كثير بن رفاعة يقول‏:‏ جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد بن أبجر فجس بطنه فقال‏:‏ بك داء لا يبرأ‏.‏ قال‏:‏ ما هو ‏؟‏ قال‏:‏ الدُّبَيْلة ‏[‏الدبيلة‏:‏ داء فى الجوف‏.‏ انظر‏:‏ القاموس المحيط، مادة ‏[‏دبل‏]‏‏]‏‏.‏
قال‏:‏ فتحول الرجل فقال‏:‏ الله، الله، الله ربى لا أشرك به شيئا، اللهم إنى أتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليما، يا محمد، إنـى أتوجـه بك إلى ربك وربى يرحمنى مما بـى‏.‏ قال‏:‏ فجس بطنه فقال‏:‏ قد برئت، ما بك علة‏.‏
قلت‏:‏ فهذا الدعاء ونحوه قد روى أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل فى منسك المروزى التوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم فى الدعاء، ونهى عنه آخرون‏.‏ فإن كان مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته فلا نزاع بين الطائفتين، وإن كان مقصودهم التوسل بذاته فهو محل النزاع، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول‏.‏
وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدل على أنه سائغ فى الشريعة، فإن كثيرا من الناس يدعون من دون الله من الكواكب والمخلوقين ويحصل ما يحصل من غرضهم، وبعض الناس يقصدون الدعاء عند الأوثان والكنائس وغير ذلك، ويدعو التماثيل التى فى الكنائس، ويحصل ما يحصل من غرضه، وبعض الناس يدعو بأدعية محرمة باتفاق المسلمين ويحصل ما يحصل من غرضهم‏.‏ فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته، وإن كان الغرض مباحًا، فإن ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحتـه، والشريعـة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فجميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد، لكن لما كانت مفاسدها راجحة على مصالحها، نهى الله ورسوله عنها، كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة، لكن لما كانت مصلحته راجحة على مفسدته أمر به الشارع‏.‏
فهذا أصل يجب اعتباره، ولا يجوز أن يكون الشىء واجبا أو مستحبا إلا بدليل شرعى يقتضى إيجابه أو استحبابه‏.‏ والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة، فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة‏.‏ والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمرا مباحا‏.‏
وفى الجملة، فقد نقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به، بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين والاستغاثة بهم والشكوى إليهم، فهذا مما لم يفعله أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا رخص فيه أحد من أئمة المسلمين‏.‏
وحديث الأعمى الذى رواه الترمذى والنسائى هو من القسم الثانى من التوسل بدعائه، فإن الأعمى قد طلب من النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بأن يرد الله عليه بصره، فقال له‏:‏ ‏(‏إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك‏)‏ فقال‏:‏ بل ادعه، فأمره أن يتوضأ ويصلى ركعتين ويقول‏:‏ ‏(‏اللهم إنى أسألك بنبيك نبى الرحمة، يا محمد، يا رسول الله، إنى أتوجه بك إلى ربى فى حاجتى هذه ليقضيها، اللهم فشفعه فىّ‏)‏ فهذا توسل بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم وشفاعته، ودعا له النبى صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال‏:‏ ‏(‏وشفعه فىّ‏)‏ فسأل الله أن يقبل شفاعة رسوله فيه وهو دعاؤه‏.‏
وهذا الحديث ذكره العلماء فى معجزات النبى صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره‏.‏
وهذا الحديث ـ حديث الأعمى ـ قد رواه المصنفون فى دلائل النبوة كالبيهقى وغيره‏:‏ رواه البيهقى من حديث عثمان بن عمر، عن شعبة، عن أبى جعفر الخطمى، قال‏:‏ سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف، أن رجلا ضريراً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ادع الله أن يعافينى، فقال له‏:‏ ‏(‏إن شئت أخَّرْت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت‏)‏ قال‏:‏ فادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين ويدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏(‏اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربى فى حاجتى هذه فيقضيها لى، اللهم فشفعه فى وشفعنى فيه‏)‏ قال‏:‏ فقام وقد أبصر، ومن هذا الطريق رواه الترمذى من حديث عثمان بن عمر‏.‏
ومنها‏:‏ ما رواه النسائى وابن ماجه أيضا، وقال الترمذى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبى جعفر وهو غير الخطمى، هكذا وقع فى الترمذى، وسائر العلماء قالوا‏:‏ هو أبو جعفر الخطمى وهو الصواب، وأيضا فالترمذى ومن معه لم يستوعبوا لفظه كما استوعبه سائر العلماء، بل رووه إلى قوله‏:‏ ‏(‏اللهم شفعه فى‏)‏‏.‏
قال الترمذى‏:‏ حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا شعبة، عن أبى جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف، أن رجلا ضرير البصر أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ادع الله أن يعافينى قال‏:‏ ‏(‏إن شئت صبرت فهو خير لك‏)‏ قال‏:‏ فادعه، قال‏:‏ فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏(‏اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى توجهت بك إلى ربى فى حاجتى هذه لتقضى، اللهم شفعه فى‏)‏، قال البيهقى‏:‏ رويناه فى ‏[‏كتاب الدعوات‏]‏ بإسناد صحيح عن روح بن عبادة عن شعبة، قال‏:‏ ففعل الرجل فبرأ، قال‏:‏ وكذلك رواه حماد ابن سلمة عن أبى جعفر الخطمى‏.‏
قلت‏:‏ ورواه الإمام أحمد فى مسنده عن روح بن عبادة كما ذكره البيهقى، قال أحمد‏:‏ حدثنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن أبى جعفر المدينى، سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف‏:‏ أن رجلا ضريراً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا نبى الله، ادع الله أن يعافينى، قال‏:‏ ‏(‏إن شئت أخرت ذلك فهو خير لآخرتك، وإن شئت دعوت لك‏)‏ قال‏:‏ لا، بل ادع الله لى، فأمره أن يتوضأ وأن يصلى ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏(‏اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى الله فى حاجتى هذه، فتقضى لى وتشفعنى فيه وتشفعه فى‏)‏ قال‏:‏ ففعل الرجل فبرئ‏.‏
رواه البيهقى أيضاً من حديث شبيب بن سعيد الحَبَطِىّ، عن روح بن القاسم، عن أبى جعفر المدينى ـ وهو الخُطْمِىّ ـ عن أبى أمامة سهل بن حنيف، عن عثمان بن حنيف قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل ضرير يشتكى إليه ذهاب بصره فقال‏:‏ يا رسول الله، ليس لى قائد وقد شق على؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم قل‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبى الرحمة ،يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربى فيجلى عن بصرى، اللهم فشفعه فى وشفعنى فى نفسى‏)‏ قال عثمان بن حنيف‏:‏ والله ما تفرقنا ولا طال الحديث بنا حتى دخل الرجل كأنه لم يكن به ضر قط‏.‏
فرواية شبيب عن روح عن أبى جعفر الخطمى خالفت رواية شعبة وحماد بن سلمة فى الإسناد والمتن، فإن فى تلك أنه رواه أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة، وفى هذه أنه رواه عن أبـى أمامـة سهل، وفى تلك الـرواية أنه قال‏:‏ فشفعه فىَّ وشـفعنى فيـه، وفـى هذه‏:‏ وشـفعنى فى نفسـى‏.‏ لكن هذا الإسنـاد لـه شاهـد آخـر من روايـة هشـام الـدُّسْتِوائى عن أبى جعفر‏.‏
ورواه البيهقى من هذا الطريق وفيه قصة قد يحتج بها من توسل به بعد موته ـ إن كانت صحيحة ـ رواه من حديث إسماعيل بن شبيب بن سعيد الحبطى عن شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن أبى جعفر المدينى عن أبى أمامة سهل بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان، فى حاجة له وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر، فى حاجته، فلقى الرجل عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك فقال له عثمان بن حنيف‏:‏ ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل ركعتين ثم قل‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربى فيقضى لى حاجتى، ثم اذكر حاجتك، ثم رح حتى أروح معك‏.‏ قال‏:‏ فانطلق الرجل فصنع ذلك، ثم أتى بَعْدُ عثمان ابن عفان، فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان فأجلسه معه على الطِّنْفِسَة وقال‏:‏ انظر ما كانت لك من حاجة‏.‏ فذكر حاجته فقضاها له‏.‏
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقى عثمان بن حنيف فقال له‏:‏ جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر فى حاجتى ولا يلتفت إلىّ حتى كلمته فىّ‏.‏ فقال عثمان بن حنيف‏:‏ ما كلمته ولكن سـمعت رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم يقول، وجـاءه ضرير فشكـا إليـه ذهاب بـصره، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أو تصبر ‏؟‏‏)‏ فقال له‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس لى قائد وقد شق علىَّ، فقال‏:‏ ‏(‏ائت الميضأة فتوضأ وصل ركعتين، ثم قل‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربى فيجلى لى عن بصرى، اللهم فشفعه فى وشفعنى فى نفسى‏)‏ قال عثمان بن حنيف‏:‏ فوالله ما تفرقنا وما طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط‏.‏
قال البيهقى‏:‏ ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه بطوله، وساقه من رواية يعقوب بن سفيان عن أحمد بن شبيب بن سعيد‏.‏ قال‏:‏ ورواه أيضا هشام الدستوائى عن أبـى جعفر عن أبـى أمامة بـن سـهل عن عمه ـ وهو عثمان بـن حنيف ـ ولم يذكر إسناد هذه الطرق‏.‏
قلت‏:‏ وقد رواه النسائى فى كتاب ‏[‏عمل اليوم والليلة‏]‏ من هذه الطريق من حديث معاذ بن هشام، عن أبيه، عن أبى جعفر، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف‏.‏ ورواه أيضاً من حديث شعبة وحماد بن سلمة كلاهما عن أبى جعفر، عن عمارة بن خزيمة، ولم يروه أحد من هؤلاء ـ لا الترمذى ولا النسائى ولا ابن ماجه من تلك الطريق الغريبة التى فيها الزيادة‏:‏ طريق شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم‏.‏
لكن رواه الحاكم فى مستدركه من الطريقين، فرواه من حديث عثمان بن عمر، حدثنا شعبة، عن أبى جعفر المدنى، سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً ضريراً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ادع الله أن يعافينى فقال‏:‏ ‏(‏إن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فادعه‏.‏ فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلى ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏(‏اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى توجهت بك إلى ربى فى حاجتى هذه، اللهم فشفعه فى وشفعنى فيه‏)‏ قال الحاكم‏:‏ على شرطهما‏.‏
ثم رواه من طريق شبيب بن سعيد الحبطى وعون بن عمارة، عن روح بن القاسم، عن أبى جعفر الخطمى المدنى، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم وجاءه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره وقال‏:‏ يا رسول الله، ليس لى قائد وقد شق على، فقال‏:‏ ‏(‏ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم قال‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربى فيجلى لى عن بصرى، اللهم فشفعه فىّ وشفعنى فى نفسى‏)‏ قال عثمان‏:‏ فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأن لم يكن به ضر قط‏.‏ قال الحاكم‏:‏ على شرط البخارى‏.‏
وشبيب هذا صدوق روى له البخارى، ولكنه قد روى له عن روح بن الفرج أحاديث مناكير رواها ابن وهب، وقد ظن أنه غلط عليه‏.‏ ولكن قد يقال مثل هذا إذا انفرد عن الثقات الذين هم أحفظ منه مثل شعبة وحماد بن سلمة وهشام الدستوائى بزيادة كان ذلك عليه فى الحديث، لا سيما وفى هذه الرواية أنه قال‏:‏ ‏(‏فشفعه فى وشفعنى فى نفسى‏)‏ وأولئك قالوا‏:‏ ‏(‏فشفعه فى وشفعنى فيه‏)‏ ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏وشفعنى فيه‏)‏ أى فى دعائه وسؤاله لى فيطابق قوله‏:‏ ‏(‏وشفعه فى‏)‏‏.‏
قال أبو أحمد بن عدى فى كتابه المسمى ‏[‏بالكامل فى أسماء الرجال‏]‏ ـ ولم يصنف فى فنه مثله ـ‏:‏ شبيب بن سعيد الحبطى أبو سعيد البصرى التميمى حدث عنه ابن وهب بالمناكير، وحدث عن يونس عن الزهرى بنسخة الزهرى أحاديث مستقيمة، وذكر عن على ابن المدينى أنه قال‏:‏ هو بصرى ثقة، كان من أصحاب يونس، كان يختلف فى تجارة إلى مصر وجاء بكتاب صحيح، قال‏:‏ وقد كتبها عنه ابنه أحمد بن شبيب‏.‏ وروى عن عدى حديثين عن ابن وهب عن شبيب هذا عن روح بن الفرج‏:‏
أحدهما‏:‏ عن ابن عقيل، عن سابق بن ناجية، عن ابن سلام قال‏:‏ مر بنا رجل فقالوا‏:‏ إن هذا قد خدم النبى صلى الله عليه وسلم‏.‏
والثانى‏:‏ عنه، عن روح بن الفرج، عن عبد الله بن الحسين، عن أمه فاطمة حديث دخول المسجد، قال ابن عدى‏:‏ كذا قيل فى الحديث عن عبد الله بن الحسين، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عدى‏:‏ ولشبيب ابن سعيد نسخة الزهرى عنده عن يونس عن الزهرى وهى أحاديث مستقيمة‏.‏ وحدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير‏.‏
وحدثنى روح بن الفرج اللذين أمليتهما يرويهما ابن وهب عن شبيب، وكان شبيب ابن سـعيد إذا روى عنـه ابنـه أحمد بن شبيب نسـخة الزهرى، ليس هو شبيب بـن سـعيد الذى يحدث عنه ابن وهب بالمناكير التى يرويها عنه، ولعل شبيبا بمصر فى تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويهم، وأرجو ألا يتعمد شبيب هذا الكذب‏.‏
قلت‏:‏ هذا الحديثان اللذان أنكرهما ابن عدى عليه، رواهما عن روح بن القاسم، وكذلك هذا الحديث ـ حديث الأعمى ـ رواه عن روح بن القاسم‏.‏ وهذا الحديث مما رواه عنه ابن وهب أيضاً كما رواه عنه ابناه، لكنه لم يتقن لفظه كما أتقنه ابناه‏.‏
وهذا يصحح ما ذكره ابن عدى، فعلم أنه محفوظ عنه، وابن عدى أحال الغلط عليه لا على ابن وهب، وهذا صحيح إن كان قد غلط، وإذا كان قد غلط على روح بن القاسم فى ذينك الحديثين أمكن أن يكون غلط عليه فى هذا الحديث، وروح بن القاسم ثقة مشهور روى له الجماعة، فلهذا لم يحيلوا الغلط عليه‏.‏
والـرجل قـد يكون حافـظا لما يرويـه عن شـيخ غير حافـظ لما يرويـه عن آخر، مثل إسـماعيل بـن عياش فيمـا يرويـه عن الحجـازيين، فإنـه يغلط فيـه، بخلاف ما يرويـه عن الشاميين‏.‏ ومثل سفيان بن حسين فيما يرويه عن الزهرى‏.‏ ومثل هذا كثير، فيحتمل أن يكون هذا يـغلط فيمـا يـرويه عن روح بـن القاسـم ـ إن كان الأمـر كمـا قالـه ابـن عدى ـ وهذا محل نظر‏.‏
وقد روى الطبرانى هذا الحديث فى المعجم من حديث ابن وهب عن شبيب بن سعيد، ورواه من حديث أصبغ بن الفرج‏:‏ حدثنا عبد الله بن وهب، عن شبيب بن سعيد المكى، عن روح بن القاسم، عن أبى جعفر الخطمى المدنى، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان فى حاجة له، فلقى عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف‏:‏ ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبى الرحمة، يا محمد، إنى أتوجه بك إلى ربك عز وجل فيقضى لى حاجتى‏.‏ وتذكر حاجتك، ورح حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قاله له، ثم أتى باب عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطِّنْفِسة، وقال‏:‏ حاجتك، فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له‏:‏ ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال‏:‏ ما كانت لك من حاجة فائتنا‏.‏
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقى عثمان بن حنيف، فقال له‏:‏ جزاك الله خيراً، ما كان ينظر فى حاجتى ولا يلتفت إلىَّ حتى كلمته فى‏.‏ فقال له عثمان بن حنيف‏:‏ والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أفتصبر ‏؟‏‏)‏ فقال‏:‏ يا رسول الله إنه ليس لى قائد وقد شق علىّ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات‏)‏ فقال عثمان بن حنيف‏:‏ فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل، كأنه لم يكن به ضر قط‏.‏
قال الطبرانى‏:‏ روى هذا الحديث شعبة عن أبى جعفر واسمه عمير بن يزيد وهو ثقة، تفرد به عثمان بن عمر عن شعبة، قال أبو عبد الله المقدسى‏:‏ والحديث صحيح‏.‏
قلت‏:‏ والطبرانى ذكر تفرده بمبلغ علمه ولم تبلغه رواية روح بن عبادة عن شعبة، وذلك إسناد صحيح، يبين أنه لم ينفرد به عثمان بن عمر، وطريق ابن وهب هذه تؤيد ما ذكره ابن عدى، فإنه لم يحرر لفظ الرواية كما حررها ابناه، بل ذكر فيها أن الأعمى دعا بمثل ما ذكره عثمان بن حنيف، وليس كذلك بل فى حديث الأعمى أنه قال‏:‏ ‏(‏اللهم فشفعه فى وشفعنى فيه ـ أو قال ـ فى نفسى‏)‏‏.‏
وهذه لم يذكرها ابن وهب فى روايته، فيشبه أن يكون حدث ابن وهب من حفظه ـ كما قال ابن عدى ـ فلم يتقن الرواية‏.‏ وقد روى أبو بكر بن أبى خيثمة فى تاريخه حديث حماد بن سلمة فقال‏:‏ حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن سلمة، أنا أبو جعفر الخطمى، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف، أن رجلا أعمى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنى أصبت فى بصرى فادع الله لى‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏اذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل‏:‏ اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبىى محمد نبى الرحمة‏.‏ يا محمد، أستشفع بك على ربى فى رد بصرى، اللهم فشفعنى فى نفسى وشفع نبىى فى رد بصرى، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك‏)‏ فرد الله عليه بصره‏.‏
قال ابن أبى خَيْثَمَة‏:‏ وأبو جعفر هذا ـ الذى حدث عنه حماد بن سلمة ـ اسمه عمير ابن يزيد وهو أبو جعفر الذى يروى عنه شعبة، ثم ذكر الحديث من طريق عثمان بن عمر عن شعبة‏.‏قلت‏:‏وهذه الطريق فيها ‏(‏فشفعنى فى نفسى‏"‏ مثل طريق روح بن القاسم، وفيها زيادة أخرى وهى قوله‏:‏‏"‏وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك ـ أو قال ـ فعل مثل ذلك‏"‏‏.‏
وهذه قد يقـال‏:‏ إنهـا توافق قول عثمان بـن حـنيف، لكن شـعبة وروح بـن القاسم أحفظ من حماد بن سلمة، واختلاف الألفاظ يدل على أن مثل هذه الرواية قد تكون بالمعنى، وقوله‏:‏ ‏(‏وإن كانت حاجة فعل مثل ذلك‏)‏ قد يكون مدرجًا من كلام عثمان لا من كلام النبى صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقل‏:‏ ‏(‏وإن كانت لك حاجة فعلت مثل ذلك‏)‏، بل قال‏:‏ ‏"‏وإن كانت حاجة فعل مثل ذلك‏)‏‏.‏
وبالجملة، فهذه الزيادة لو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة، وإنما غايتها أن يكون عثمان ابن حنيف ظن أن الدعاء يدعى ببعضه دون بعض، فإنه لم يأمره بالدعاء المشروع، بل ببعضه، وظن أن هذا مشروع بعد موته صلى الله عليه وسلم، ولفظ الحديث يناقض ذلك، فإن فى الحديث أن الأعمى سأل النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، وأنه علم الأعمى أن يدعو وأمره فى الدعاء أن يقول‏:‏ ‏(‏اللهم فشفعه فى‏)‏، وإنما يدعى بهذا الدعاء إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم داعيا شافعا له، بخلاف من لم يكن كذلك، فهذا يناسب شفاعته ودعاءه للناس فى محياه فى الدنيا ويوم القيامة إذا شفع لهم‏.‏
وفيه أيضًا أنه قال‏:‏ ‏(‏وشفعنى فيه‏)‏، وليس المراد أنه يشفع للنبى صلى الله عليه وسلم فى حاجة للنبى صلى الله عليه وسلم ـ وإن كنا مأمورين بالصلاة والسلام عليه، وأمرنا أن نسأل الله له الوسيلة ـ ففى صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من قال إذا سمع النداء‏:‏ اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذى وعدته، حلتْ له شفاعتى يوم القيامة‏)‏‏.‏
وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علىّ فإن من صلى على صلاة صلى الله عليه عشرًا، ثم سَلوا الله لى الوسيلة، فإنها درجة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة‏)‏‏.‏
وسؤال الأمة له الوسيلة هو دعاء له وهو معنى الشفاعة؛ ولهذا كان الجزاء من جنس العمل، فمن صلى عليه صلى عليه الله، ومن سأل الله له الوسيلة المتضمنة لشفاعته شفع له صلى الله عليه وسلم، كذلك الأعمى سأل منه الشفاعة فأمره أن يدعو الله بقبول هذه الشفاعة وهو كالشفاعة فى الشفاعة؛ فلهذا قال‏:‏ ‏(‏اللهم فشفعه فى وشفعنى فيه‏)‏‏.‏
وذلك أن قبول دعاء النبى صلى الله عليه وسلم فى مثل هذا هو من كرامة الرسول على ربه؛ ولهذا عد هذا من آياته ودلائل نبوته، فهو كشفاعته يوم القيامة فى الخلق؛ ولهذا أمر طالب الدعاء أن يقول‏:‏ ‏(‏فشفعه فى وشفعنى فيه‏)‏ بخلاف قوله‏:‏ ‏(‏وشفعنى فى نفسى‏)‏ فإن هذا اللفظ لم يروه أحد إلا من هذا الطريق الغريب‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏وشفعنى فيه‏)‏ رواه عن شعبة رجلان جليلان‏:‏ عثمان بن عمر، وروح بن عبادة‏.‏ وشعبة أجل من روى هذا الحديث، ومن طريق عثمان بن عمر عن شعبة رواه الثلاثة‏:‏ الترمذى والنسائى وابن ماجه‏.‏
رواه الترمذى عن محمود بن غيلان عن عثمان بن عمر عن شعبة ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سيار عن عثمان بن عمر، وقد رواه أحمد فى المسند عن روح بن عبادة عن شعبة، فكان هؤلاء أحفظ للفظ الحديث‏.‏ مع أن قوله‏:‏ ‏(‏وشفعنى فى نفسى‏)‏ إن كان محفوظًا مثل ما ذكرناه، وهو أنه طلب أن يكون شفيعًا لنفسه مع دعاء النبى صلى الله عليه وسلم ولو لم يدع له النبى صلى الله عليه وسلم كان سائلا مجردًا كسائر السائلين‏.‏
ولا يسمى مثل هذا شفاعة، وإنما تكون الشفاعة إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرا فيكون أحدهما شفيعاً للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذى لم يشفع غيره‏.‏
فهذه الزيادة فيها عدة علل‏:‏ انفراد هذا بها عمن هو أكبر وأحفظ منه ،وإعراض أهل السنن عنها، واضطراب لفظها، وأن راويها عرف له ـ عن روح هذا ـ أحاديث منكرة‏.‏
ومثل هذا يقتضى حصول الريب والشك فى كونها ثابتة، فلا حاجة فيها؛ إذ الاعتبار بما رواه الصحابى لا بما فهمه إذا كان اللفظ الذى رواه لا يدل على ما فهمه بل على خلافه‏.‏
ومعلوم أن الواحد بعد موته إذا قال‏:‏ اللهم فشفعه فى وشفعنى فيه ـ مع أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يدع له ـ كان هذا كلاماً باطلا، مع أن عثمان بن حنيف لم يأمره أن يسأل النبى صلى الله عليه وسلم شيئا، ولا أن يقول‏:‏ فشفعه فىّ، ولم يأمره بالدعاء المأثور على وجهه، وإنما أمره ببعضه، وليس هناك من النبى صلى الله عليه وسلم شفاعة ولا مـا يظن أنه شـفاعة، فلو قال بعد موتـه‏:‏ ‏(‏فشفعه فى‏)‏ لكان كلاماً لا معنى له؛ ولهذا لم يأمر به عثمان‏.‏
والدعاء المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر به، والذى أمر به ليس مأثوراً عن النبى صلى الله عليه وسلم‏.‏
ومثل هذا لا تثبت به شريعة كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة فى جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه ـ وكان ما يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه ـ لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول‏.‏
ولهذا نظائر كثيرة‏:‏ مثل ما كان ابن عمر يدخل الماء فى عينيه فى الوضوء، ويأخذ لأذنيه ماءً جديداً، وكان أبو هريرة يغسل يديه إلى العضدين فى الوضوء، ويقول‏:‏ من استطاع أن يطيل غرته فليفعل، وروى عنه أنه كان يمسح عنقه ويقول‏:‏ هو موضع الغل‏.‏ فإن هذا وإن استحبه طائفة من العلماء اتباعاً لهما فقد خالفهم فى ذلك آخرون وقالوا‏:‏ سائر الصحابة لم يكونوا يتوضؤون هكذا‏.‏
والوضوء الثابت عنه صلى الله عليه وسلم الذى فى الصحيحين وغيرهما من غير وجه ليس فيه أخذ ماء جديد للأذنين، ولا غسل ما زاد على المرفقين والكعبين، ولا مسح العنق، ولا قال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ من استطاع أن يطيل غرته فليفعل‏.‏ بل هذا من كلام أبى هريرة جاء مدرجًا فى بعض الأحاديث، وإنما قال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنكم تأتون يوم القيامة غراً مُحَجَّلِين من آثار الوضوء‏)‏، وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ حتى يشرع فى العضد والساق، قال أبو هريرة‏:‏ من استطاع أن يطيل غرته فليفعل، وظن من ظن أن غسل العضد من إطالة الغرة، وهذا لا معنى له، فإن الغرة فى الوجه لا فى اليد والرجل، وإنما فى اليد والرجل الحِجْلة، والغرة لا يمكن إطالتها، فإن الوجه يغسل كله لا يغسل الرأس ولا غرة فى الرأس، والحجلة لا يستحب إطالتها، وإطالتها مثلة‏.‏
وكذلك ابن عمر كان يتحرى أن يسير مواضع سير النبى صلى الله عليه وسلم، وينزل مواضع منزله ويتوضأ فى السفر حيث رآه يتوضأ، ويصب فضل مائه على شجرة صب عليها، ونحو ذلك مما استحبه طائفه من العلماء ورأوه مستحبا، ولم يستحب ذلك جمهور العلماء، كما لم يستحبه، ولم يفعله أكابر الصحابة كأبى بكر وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود ومعاذ ابن جبل وغيرهم، لم يفعلوا مثل ما فعل ابن عمر‏.‏ ولو رأوه مستحبًا لفعلوه كما كانوا يتحرون متابعته والاقتداء به‏.‏
وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذى فعل، فإذا فعل فعلا على وجه العبادة شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك، كمـا كان يقصـد أن يطوف حـول الكعبة، وأن يستلم الحجر الأسـود، وأن يصلى خـلف المقـام، وكان يتـحرى الصـلاة عند أسطوانة مسجد المدينة، وقصـد الصعود على الصفـا والمـروة، والدعـاء والذكـر هنـاك، وكذلك عـرفة ومزدلفـة وغيـرهما‏.‏
وأما ما فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده ـ مثل أن ينزل بمكان ويصلى فيه لكونه نزله لا قصدًا لتخصيصه به بالصلاة والنزول فيه ـ فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه، أو النـزول لم نكن متبعين، بل هـذا من البـدع التى كان ينهـى عنها عمـر بن الخـطاب، كما ثـبت بالإسناد الصحيح من حـديث شـعبة عن سـليمان التيمى عن المعرور بن سـويد، قال‏:‏ كان عمر بن الخطاب فى سفر فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه فيقولون‏:‏ صلى فيه النبى صلى الله عليه وسلم، فقال عمر‏:‏ إنما هلك أهل الكتاب أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبِيَعًا، فمن عرضت له الصلاة فليصل، وإلا فليمض‏.‏
فلما كان النبى صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه بل صلى فيه لأنه موضع نزوله، رأى عمر أن مشاركته فى صورة الفعل من غيره موافقة له فى قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التى هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم فى ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبى صلى الله عليه وسلم فى الصورة ومتشبه باليهود والنصارى فى القصد الذى هو عمل القلب‏.‏
وهذا هو الأصل، فإن المتابعة فى السنة أبلغ من المتابعة فى صورة العمل؛ ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة‏:‏ هل فعلها استحباباً أو لحاجة عارضة تنازعوا فيها، وكذلك نزوله بالمُحَصَّب عند الخروج من منى لما اشتبه‏:‏ هل فعله لأنه كان أسمح لخروجه أو لكونه سنة ‏؟‏ تنازعوا فى ذلك‏.‏ ومن هذا وضع ابن عمر يده على مقعد النبى صلى الله عليه وسلم، وتعريف ابن عباس بالبصرة وعمرو بن حريث بالكوفة، فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة، ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته، لم يمكن أن يقال‏:‏ هذا سنة مستحبة، بل غايته أن يقال‏:‏ هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة، أو مما لا ينكر على فاعله؛ لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد لا لأنه سنة مستحبة سنها النبى صلى الله عليه وسلم لأمته، أو يقال فى التعريف‏:‏ إنه لا بأس به أحيانا لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة‏.‏
وهكذا يقول أئمة العلم فى هذا وأمثاله، تارة يكرهونه، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد، وتارة يرخصون فيه إذا لم يتخذ سنة، ولا يقول عالم بالسنة‏:‏ إن هذه سنة مشروعة للمسلمين‏.‏
فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع، وما سنه خلفاؤه الراشدون فإنما سنوه بأمره فهو من سننه، ولا يكون فى الدين واجبا إلا ما أوجبه، ولا حرامًا إلا ما حرمه، ولا مستحبا إلا ما استحبه، ولا مكروها إلا ما كرهه، ولا مباحاً إلا ما أباحه‏.‏
وهكذا فى الإباحات، كما استباح أبو طلحة أكل البرد وهو صائم، واستباح حذيفة السحور بعد ظهور الضوء المنتشر حتى قيل‏:‏ هو النهار، إلا أن الشمس لم تطلع‏.‏ وغيرهما من الصحابة لم يقل بذلك، فوجب الرد إلى الكتاب والسنة‏.‏
وكذلك الكراهة والتحريم‏.‏ مثل كراهة عمر وابنه للطيب قبل الطواف بالبيت، وكراهة من كره من الصحابة فسخ الحج إلى التمتع، أو التمتع مطلقًا، أو رأى تقدير مسافة القصر بحد حده، وأنه لا يقصر بدون ذلك، أو رأى أنه ليس للمسافر أن يصوم فى السفر‏.‏
ومن ذلك قول سلمان‏:‏ إن الريق نجس، وقول ابن عمر‏:‏ إن الكتابية لا يجوز نكاحها، وتوريث معاذ ومعاوية للمسلم من الكافر، ومنع عمر وابن مسعود للجنب أن يتيمم، وقول على وزيد وابن عمر فى المفوِّضة‏:‏ إنه لا مهر لها إذا مات الزوج، وقول على وابن عباس فى المتوفى عنها الحامل‏:‏ إنها تعتد أبعدَ الأجلين، وقول ابن عمر وغيره‏:‏ إن المحرم إذا مات بطل إحرامه وفعل به ما يفعل بالحلال‏.‏
وقول ابن عمر وغيره‏:‏ لا يجوز الاشتراط فى الحج، وقول ابن عباس وغيره فى المتوفى عنها‏:‏ ليس عليها لزوم المنزل، وقول عمر وابن مسعود‏:‏ إن المبتوتة لها السكنى والنفقة‏.‏ وأمثال ذلك مما تنازع فيه الصحابة، فإنه يجب فيه الرد إلى الله والرسول، ونظائر هذا كثيرة فلا يكون شريعة للأمة إلا ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
ومن قال من العلماء‏:‏ ‏[‏إن قول الصحابى حجة‏]‏ فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة ولا عرف نص يخالفه، ثم إذا اشتهر ولم ينكروه كان إقراراً على القول، فقد يقال‏:‏ ‏[‏هذا إجماع إقراري‏]‏ إذا عرف أنهم أقروه ولم ينكره أحد منهم، وهم لا يقرون على باطل‏.‏
وأما إذا لم يشتهر فهذا إن عرف أن غيره لم يخالفه فقد يقال‏:‏ ‏[‏حجة‏]‏‏.‏ وأما إذا عرف أنه خالفه فليس بحجة بالاتفاق، وأما إذا لم يعرف هل وافقه غيره أو خالفه لم يجزم بأحدهما، ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا فيما يخالفها بلا ريب عند أهل العلم‏.‏
وإذا كان كذلك، فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم داعيا له ولا شافعا فيه، فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعًا بعد مماته كما كان يشرع فى حياته، بل كانوا فى الاستسقاء فى حياته يتوسلون به، فلما مات لم يتوسلوا به‏.‏
بل قال عمر فى دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار فى عام الرمادة المشهور، لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمنًا حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بالعباس قال‏:‏ اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون‏.‏ وهذا دعاء أقره علىه جميع الصحابة ولم ينكره أحد مع شهرته، وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية‏.‏
ودعا بمثله معاوية بن أبى سفيان فى خلافته لما استسقى بالناس‏.‏
فلو كان توسلهم بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم به فى حياته لقالوا‏:‏ كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما، ونعدل عن التوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم الذى هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله ‏؟‏ فلما لم يقل ذلك أحد منهم، وقد علم أنهم فى حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته، وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره، علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته‏.‏
وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بذاته، وقال له فى الدعاء‏:‏ ‏(‏قل‏:‏ اللهم فشفعه فى‏)‏
وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع، بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته، كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المخالف لعمر محجوجًا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الحديث الذى رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له، والله أعلم‏.‏
وأما القسم الثالث مما يسمى ‏[‏توسلا‏]‏ فلا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم شيئا يحتج به أهل العلم ـ كما تقدم بسط الكلام على ذلك ـ وهو الإقسام على الله عز وجل بالأنبياء والصالحين أو السؤال بأنفسهم، فإنه لا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم شيئا ثابتًا لا فى الإقسام أو السؤال به، ولا فى الإقسام أو السؤال بغيره من المخلوقين‏.‏
وإن كان فى العلماء من سوغه، فقد ثبت عن غير واحد من العلماء أنه نهى عنه، فتكون مسألة نزاع كما تقدم بيانه، فيرد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله، وبيدى كل واحد حجته كما فى سائر مسائل النزاع، وليس هذا من مسائل العقوبات بإجماع المسلمين، بل المعاقب على ذلك معتد جاهل ظالم، فإن القائل بهذا قد قال ما قالت العلماء، والمنكر عليه ليس معه نقل يجب اتباعه لا عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وقد ثبت أنه لا يجوز القسم بغير الله، لا بالأنبياء ولا بغيرهم، كما سبق بسط الكلام فى تقرير ذلك‏.‏
وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن ينذر لغير الله لا لنبى ولا لغير نبى، وأن هذا النذر شرك لا يوفى به‏.‏ وكذلك الحلف بالمخلوقات لا تنعقد به اليمين، ولا كفارة فيه، حتى لو حلف بالنبى صلى الله عليه وسلم لم تنعقد يمينه كما تقدم ذكره، ولم يجب عليه كفارة عند جمهور العلماء كمالك والشافعى وأبى حنيفة وأحمد فى إحدى الروايتين، بل نهى عن الحلف بهذه اليمين‏.‏
فإذا لم يجز أن يحلف بها الرجل ولا يقسم بها على مخلوق فكيف يقسم بها على الخالق جل جلاله‏؟‏
وأما السؤال به من غير إقسام به فهذا أيضا مما منع منه غير واحد من العلماء، والسنن الصحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على ذلك، فإن هذا إنما يفعله على أنه قربة وطاعة، وأنه مما يستجاب به الدعاء‏.‏
وما كان من هذا النوع فإما أن يكون واجبا وإما أن يكون مستحبا،وكل ما كان واجبا أو مستحبًا فى العبادات والأدعية فلابد أن يشرعه النبى صلى الله عليه وسلم لأمته، فإذا لم يشرع هذا لأمته لم يكن واجبا ولا مستحبا ولا يكون قربة وطاعة، ولا سببا لإجابة الدعاء، وقد تقدم بسط الكلام على هذا كله‏.‏
فمن اعتقد ذلك فى هذا أو فى هذا فهو ضال وكانت بدعته من البدع السيئة، وقد تبين بالأحاديث الصحيحة وما استقرئ من أحوال النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن هذا لم يكن مشروعًا عندهم‏.‏
وأيضا، فقد تبين أنه سؤال لله تعالى بسبب لا يناسب إجابة الدعاء، وأنه كالسؤال بالكعبة والطور والكرسى والمساجد وغير ذلك من المخلوقات، ومعلوم أن سؤال الله بالمخلوقات ليس هو مشروعًا، كما أن الإقسام بها ليس مشروعًا بل هو منهى عنه‏.‏
فكما أنه لا يسوغ لأحد أن يحلف بمخلوق فلا يحلف على الله بمخلوق، ولا يسأله بنفس مخلوق، وإنما يسأل بالأسباب التى تناسب إجابة الدعاء كما تقدم تفصيله‏.‏
لكن قد روى فى جواز ذلك آثار وأقوال عن بعض أهل العلم، ولكن ليس فى المنقول عن النبى صلى الله عليه وسلم شىء ثابت بل كلها موضوعة‏.‏
وأما النقل عمن ليس قوله حجة فبعضه ثابت وبعضه ليس بثابت، والحديث الذى رواه أحمد وابن ماجه وفيه‏.‏ ‏(‏بحق السائلين عليك، وبحق ممشاى هذا‏)‏ رواه أحمد عن وكيع عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبى سعيد الخدرى، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من قال إذا خرج إلى الصلاة‏.‏ اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاى هذا، فإنى لم أخرجه أشراً ولا بطراً، ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذنى من النار، وأن تدخلنى الجنة، وأن تغفر لى ذنوبى، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضى صلاته‏)‏‏.‏
وهذا الحديث هو من رواية عطية العوفى عن أبى سعيد، وهو ضعيف بإجماع أهل العلم، وقد روى من طريق آخر وهو ضعيف أيضًا، ولفظه لا حجة فيه، فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم وحق العابدين أن يثيبهم، وهو حق أحقه الله تعالى على نفسه الكريمة بوعده الصادق باتفاق أهل العلم، وبإيجابه على نفسه فى أحد أقوالهم، وقد تقدم بسط الكلام على ذلك‏.‏
وهذا بمنزلة الثلاثة الذين سألوه فى الغار بأعمالهم‏:‏ فإنه سأله هذا ببره العظيم لوالديه، وسأله هذا بعفته العظيمة عن الفاحشة، وسأله هذا بأدائه العظيم للأمانة؛ لأن هذه الأعمال أمر الله بها، ووعد الجزاء لأصحابها، فصار هذا كما حكاه عن المؤمنين بقوله‏.‏ ‏{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}‏ ‏[‏آل عمران‏.‏ 193‏]‏، وقال تعالى‏.‏ ‏{إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ }‏ ‏[‏المؤمنون‏.‏ 109‏]‏، وقال تعالى‏.‏ ‏{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}‏ ‏[‏آل عمران‏.‏ 15، 16‏]‏‏.‏
وكان ابن مسعود يقول فى السحر‏.‏ اللهم دعوتنى فأجبت، وأمرتنى فأطعت، وهذا سحر فاغفر لي‏.‏
وأصل هذا الباب أن يقال‏:‏ الإقسام على الله بشىء من المخلوقات، أو السؤال له به، إما أن يكون مأمورًا به إيجابا أو استحبابًا، أو منهيا عنه نهى تحريم أو كراهة، أو مباحا لا مأموراً به ولا منهيا عنه‏.‏
وإذا قيل‏.‏ إن ذلك مأمور به أو مباح، فإما أن يفرق بين مخلوق ومخلوق أو يقال‏.‏ بل يشرع بالمخلوقات المعظمة أو ببعضها‏.‏ فمن قال‏.‏ إن هذا مأمور به أو مباح فى المخلوقات جميعها، لزم أن يسأل الله تعالى بشياطين الإنس والجن، فهذا لا يقوله مسلم‏.‏
فإن قال‏:‏ بل يسأل بالمخلوقات المعظمة كالمخلوقات التى أقسم بها فى كتابه، لزم من هذا أن يسأل بـ ‏{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}‏ ‏[‏الليل‏:‏ 1 ـ 4‏]‏، ‏{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}‏ ‏[‏الشمس1 ـ 7‏]‏ ويسأل الله تعالى ويقسم عليه ‏{بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}‏‏[‏التكوير‏.‏15‏:‏ 18‏]‏، ويسأل بـ ‏{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا}‏ ‏[‏الذاريات‏.‏ 1 ـ 4‏]‏، ويسأل بـ ‏{وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 1 ـ 6‏]‏ ويسأل ويقسم عليه بـ ‏{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}‏ ‏[‏الصافات‏:‏1‏]‏ ، وسائر ما أقسم الله به فى كتابه‏.‏
فإن الله يقسم بما يقسم به من مخلوقاته؛ لأنها آياته ومخلوقاته‏.‏ فهى دليل على ربوبيته وألوهيته ووحدانيته وعلمه وقدرته ومشيئته ورحمته وحكمته وعظمته وعزته، فهو سبحانه يقسم بها؛ لأن إقسامه بها تعظيم له سبحانه‏.‏
ونحن المخلوقين ليس لنا أن نقسم بها بالنص والإجماع، بل ذكر غير واحد الإجماع على أنه لا يقسم بشىء من المخلوقات وذكروا إجماع الصحابة على ذلك، بل ذلك شرك منهى عنه‏.‏
ومن سأل الله بها، لزمه أن يسأله بكل ذكر وأنثى، وبكل نفس ألهمها فجورها وتقواها، ويسأله بالرياح، والسحاب، والكواكب، والشمس والقمر، والليل والنهار، والتين والزيتون، وطور سينين، ويسأله بالبلد الأمين مكة، ويسأله حينئذ بالبيت، والصفا والمروة، وعرفة، ومزدلفة، ومنى، وغير ذلك من المخلوقات، ويلزم أن يسأله بالمخلوقات التى عبدت من دون الله، كالشمس والقمر والكواكب والملائكة والمسيح والعزير وغير ذلك مما عبد من دون الله ومما لم يعبد من دونه‏.‏
ومعلوم أن السؤال لله بهذه المخلوقات أو الإقسام عليه بها من أعظم البدع المنكرة فى دين الإسلام، ومما يظهر قبحه للخاص والعام‏.‏
ويلزم من ذلك أن يقسم على الله تعالى بالأقسام والعزائم التى تكتب فى الحروز والهياكل التى تكتبها الطرقية والمعزمون، بل ويقال‏.‏ إذا جاز السؤال والإقسام على الله بها فعلى المخلوقات أولى، فحينئذ تكون العزائم والأقسام التى يقسم بها على الجن مشروعة فى دين الإسلام، وهذا الكلام يستلزم الكفر والخروج من دين الإسلام، بل ومن دين الأنبياء أجمعين‏.‏
وإن قال قائل‏.‏ بل أنا أسأله أو أقسم عليه بمعظم دون معظم من المخلوقات، إما الأنبياء دون غيرهم أو نبى دون غيره، كما جوز بعضهم الحلف بذلك، أو بالأنبياء والصالحين دون غيرهم‏.‏
قيل له‏.‏ بعض المخلوقات، وإن كان أفضل من بعض، فكلها مشتركة فى أنه لا يجعل شىء منها نداً لله تعالى، فلا يعبد ولا يتوكل عليه ولا يخشى ولا يتقى ولا يصام له ولا يسجد له ولا يرغب إليه، ولا يقسم بمخلوق، كما ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من كان حالفًا فليحلف بالله، أو ليصمت‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏لا تحلفوا إلا بالله‏)‏، وفى السنن عنه أنه قال‏.‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد أشرك‏)‏‏.
فقد ثبت بالنصوص الصحيحة الصريحة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز الحلف بشىء من المخلوقات، لا فرق فى ذلك بين الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم ولا فرق بين نبى ونبى‏.‏ وهذا كما قد سوى الله تعالى بين جميع المخلوقات فى ذم الشرك بها وإن كانت معظمة قال تعالى‏.‏ ‏{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}‏‏[‏آل عمران79، 80‏]‏، وقال تعالى‏.‏ ‏{قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}‏‏[‏الإسراء‏.‏56، 57‏]‏‏.‏
قالت طائفة من السلف‏.‏ كان أقوام يدعون المسيح والعزير والملائكة، فقال تعالى‏.‏ هؤلاء الذين تدعونهم عبادى يرجون رحمتى كما ترجون رحمتى، ويخافون عذابى كما تخافون عذابى، ويتقربون إلىّ كما تتقربون إلى‏.‏
وقد قال تعالى‏:‏ ‏{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}‏‏[‏النور‏:‏ 52‏]‏، فبين أن الطاعة لله والرسول، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، وبين أن الخشية والتقوى لله وحده، فلم يأمر أن يخشى مخلوق ولا يتقى مخلوق‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ}‏‏[‏التوبة‏.‏ 59‏]‏، وقال تعالى‏.‏ ‏{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}‏‏[‏الشرح 7، 8‏]‏‏.‏
فبين ـ سبحانه وتعالى ـ أنه كان ينبغى لهؤلاء أن يرضوا بما آتاهم الله ورسوله ويقولوا‏:‏ حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون، فذكر الرضا بما آتاه الله ورسوله؛ لأن الرسول هو الواسطة بيننا وبين الله فى تبليغ أمره ونهيه، وتحليله وتحريمه، ووعده ووعيده‏.‏
فالحلال ما حلله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله؛ ولهذا قال تعالى‏.‏ ‏{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}‏‏[‏الحشر‏.‏ 7‏]‏ فليس لأحد أن يأخذ من الأموال إلا ما أحله الله ورسوله، والأموال المشتركة له، كمال الفىء والغنيمة والصدقات، عليه أن يرضى بما آتاه الله ورسوله منها وهو مقدار حقه لا يطلب زيادة على ذلك‏.‏
ثم قال تعالى‏.‏ ‏{وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله}‏ ولم يقل‏.‏ ‏[‏ورسوله‏]‏ فإن الحسب هو الكافى، والله وحده كاف عباده المؤمنين، كما قال تعالى‏.‏ ‏{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}‏‏[‏الأنفال‏.‏ 64‏]‏ أى هو وحده حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين‏.‏ هذا هو القول الصواب الذى قاله جمهور السلف والخلف، كما بين فى موضع آخر‏.‏
والمراد أن الله كاف للرسول ولمن اتبعه، فكل من اتبع الرسول فالله كافيه وهاديه وناصره ورازقه، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ}‏ فذكر الإيتاء لله ورسوله، لكن وسطه بذكر الفضل، فإن الفضل لله وحده بقوله‏:‏ ‏{سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ}‏ ثم قال تعالى‏.‏ ‏{إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ}‏ فجعل الرغبة إلى الله وحده دون الرسول وغيره من المخلوقات‏.‏
فقـد تبين أن الله سـوى بـين المخلوقـات فـى هذه الأحـكام، لـم يجعـل لأحـد مـن المخلوقين ـ سواء كان نبياً أو ملكاً ـ أن يقسم به ولا يتوكل عليه ولا يرغب إليه ولا يخشى ولا يتقى‏.‏ وقال تعالى‏.‏ ‏{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}‏‏[‏سبأ‏.‏ 22، 23‏]‏‏.‏ فقد تهدد سبحانه من دعا شيئاً من دون الله، وبين أنهم لا ملك لهم مع الله ولا شركا فى ملكه، وأنه ليس له عون ولا ظهير من المخلوقين، فقطع تعلق القلوب بالمخلوقات‏.‏ رغبة ورهبة وعبادة واستعانة، ولم يبق إلا الشفاعة وهى حق، لكن قال الله تعالى‏.‏ ‏{وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}‏‏.‏ وهكذا دلت الأحاديث الصحيحة فى الشفاعة يوم القيامة، إذا أتى الناس آدم، وأولى العزم نوحا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ابن مريم، فيردهم كل واحد إلى الذى بعده، إلى أن يأتوا المسيح فيقول لهم‏.‏ اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏فيأتونى فأذهب إلى ربى، فإذا رأيته خررت ساجدًا وأحمد ربى بمحامد يفتحها علىَّ لا أحسنها الآن، فيقال لى‏.‏ أى محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع ـ قال ـ فيحدّ لى حدًا فأدخلهم الجنة‏)‏، وذكر تمام الخبر‏.‏
فبين المسيح أن محمدًا هو الشافع المشفع؛ لأنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبين محمد عبد الله ورسوله ـ أفضل الخلق وأوجه الشفعاء وأكرمهم على الله تعالى ـ أنه يأتى فيسجد ويحمد، لا يبدأ بالشفاعة حتى يؤذن له، فيقال له‏.‏ ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، وذكر أن ربه يحد له حدًا فيدخلهم الجنة‏.‏
وهذا كله يبين أن الأمر كله لله، هو الذى يكرم الشفيع بالإذن له فى الشفاعة، والشفيع لا يشفع إلا فيمن يأذن الله له، ثم يحد للشفيع حدًا فيدخلهم الجنة‏.‏ فالأمر بمشيئته وقدرته واختياره‏.‏ وأوجه الشفعاء وأفضلهم هو عنده الذى فضله على غيره واختاره واصطفاه بكمال عبوديته وطاعته وإنابته، وموافقته لربه فيما يحبه ويرضاه‏.‏
وإذا كان الإقسام بغير الله والرغبة إليه وخشيته وتقواه ونحو ذلك هى من الأحكام التى اشتركت المخلوقات فيها، فليس لمخلوق أن يقسم به‏.‏ ولا يتقى ولا يتوكل عليه وإن كان أفضل المخلوقات، ولا يستحق ذلك أحد من الملائكة والنبيين، فضلا عن غيرهم من المشايخ والصالحين‏.‏
فسؤال الله تعالى بالمخلوقات‏.‏ إن كان بما أقسم به وعظمه من المخلوقات فيسوغ السؤال بذلك كله، وإن لم يكن سائغاً لم يجز أن يسأل بشىء من ذلك، والتفريق فى ذلك بين معظم ومعظم، كتفريق من فرق فزعم أنه يجوز الحلف ببعض المخلوقات دون بعض، وكما أن هذا فرق باطل فكذلك الآخر‏.‏ ولو فرق مفرق بين ما يؤمن به، وبين ما لا يؤمن به، قيل له‏.‏ فيجب الإيمان بالملائكة والنبيين، ويؤمن بكل ما أخبر به الرسول مثل منكر ونكير، والحور العين، والولدان وغير ذلك، أفيجوز أن يقسم بهذه المخلوقات لكونه يجب الإيمان بها ‏؟‏ أم يجوز السؤال بها كذلك ‏؟‏
فتبين أن السؤال بالأسباب إذا لم يكن المسئول به سبباً لإجابة الدعاء فلا فرق بين السؤال بمخلوق ومخلوق، كما لا فرق بين القسم بمخلوق ومخلوق، وكل ذلك غير جائز‏.‏ فتبين أنه لا يجوز ذلك كما قاله من قاله من العلماء، والله أعلم‏.‏
وأما قوله تعالى‏.‏ ‏{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ}‏‏[‏البقرة‏.‏89‏]‏ فكانت اليهود تقول للمشركين‏.‏ سوف يبعث هذا النبى ونقاتلكم معه فنقتلكم، لم يكونوا يقسمون على الله بذاته‏.‏ ولا يسألون به، أو يقولون‏.‏ اللهم ابعث هذا النبى الأمى لنتبعه ونقتل هؤلاء معه‏.‏ هذا هو النقل الثابت عند أهل التفسير، وعليه يدل القرآن، فإنه قال تعالى‏:‏ ‏{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُون}‏‏.‏ والاستفتاح‏:‏ الاستنصار، وهو طلب الفتح والنصر، فطلب الفتح والنصر به هو أن يبعث فيقاتلونهم معه، فبهذا ينصرون، ليس هو بإقسامهم به وسؤالهم به؛ إذ لو كان كذلك لكانوا إذا سألوا أو أقسموا به نصروا، ولم يكن الأمر كذلك، بل لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم نصر الله من آمن به وجاهد معه على من خالفه‏.‏
وما ذكره بعض المفسرين من أنهم كانوا يقسمون به أو يسألون به، فهو نقل شاذ مخالف للنقول الكثيرة المستفيضة المخالفة له‏.‏
وقد ذكرنا طرفاً من ذلك فى ‏[‏دلائل النبوة‏]‏، وفى كتاب ‏[‏الاستغاثة الكبير‏]‏، وكتب السير، ودلائل النبوة، والتفسير مشحونة بذلك‏.‏ قال أبو العالية وغيره‏:‏ كان اليهود إذا استنصروا بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركى العرب يقولون‏.‏ اللهم ابعث هذا النبى الذى نجده مكتوبا عندنا حتى نغلب المشركين ونقتلهم‏.‏ فلما بعث الله محمداً ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسداً للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآيات‏.‏ ‏{فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ}‏‏[‏البقرة‏.‏ 89‏]‏‏.‏
وروى محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصارى عن رجال من قومه قالوا‏.‏ مما دعانا إلى الإسلام ـ مع رحمة الله وهداه ـ ما كنا نسمع من رجال يهود، وكنا أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا‏.‏ قد تقارب زمان نبى يبعث الآن فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ـ كثيرا ما كنا نسمع ذلك منهم ـ فلما بعث الله محمداً رسولاً من عند الله أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدونا به، فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات التى فى البقرة‏.‏ ‏{وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ}‏‏[‏البقرة‏.‏ 89‏]‏
ولم يذكر ابن أبى حاتم وغيره ممن جمع كلام مفسرى السلف إلا هذا، وهذا لم يذكر فيه السؤال به عن أحد من السلف، بل ذكروا الإخبار به، أو سؤال الله أن يبعثه‏.‏ فروى ابن أبى حاتم، عن أبى رزين، عن الضحاك، عن ابن عباس فى قوله تعالى‏:‏ ‏{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ}‏ قال‏.‏ يستظهرون، ويقولون‏.‏ نحن نعين محمداً عليهم وليسوا كذلك، يكذبون‏.‏
وروى عن معمـر عن قتـادة فـى قولـه تعالـى‏.‏ ‏{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ}‏ قال‏.‏ كانوا يقولون‏.‏ إنه سيأتى نبى ‏{فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ}‏‏.‏
وروى بإسناده عن ابن إسحاق‏.‏ حدثنا محمد بن أبى محمد قال‏.‏ أخبرنى عكرمة ـ أو سعيد بن جبير ـ عن ابن عباس، أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود بن سلمة‏.‏ يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك، وتخبرونا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته، فقال سلام بن مشكم أخو بنى النضير‏.‏ ما جاءنا بشىء نعرفه، وما هو بالذى كنا نذكر لكم، فأنزل الله تعالى فى ذلك‏:‏ ‏{وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ}‏‏.‏
وروى بإسناده عن الربيع بن أنس، عن أبى العالية قال‏.‏ كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركى العرب، يقولون‏.‏ اللهم ابعث هذا النبى الذى نجده مكتوبا عندنا، حتى نعذب المشركين ونقتلهم‏.‏ فلما بعث الله محمداً ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسداً للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله‏:‏ ‏{فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ}‏‏.‏
وأما الحديث الذى يروى عن عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏.‏ كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود فعاذت بهذا الدعاء‏.‏ اللهم إنا نسألك بحق محمد النبى الأمى الذى وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم، فكانوا إذا دعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان‏.‏ فلما بعث النبى صلى الله عليه وسلم كفروا به، فأنزل الله تعالى‏.‏ ‏{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ}‏ وهـذا الحـديث رواه الحـاكم فـى مستدركـه وقـال‏.‏ أدت الضـرورة إلـى إخراجه‏.‏ وهذا مما أنكره عليه العلماء، فإن عبد الملك بن هارون من أضعف الناس، وهو عند أهل العلم بالرجال متروك، بل كذاب‏.‏ وقد تقدم ما ذكره يحىى بن معين وغيره من الأئمة فى حقه‏.‏
قلت‏.‏ وهذا الحديث من جملتها، وكذلك الحديث الآخر يرويه عن أبى بكر، كما تقدم‏.‏
ومما يبين ذلك أن قوله تعالى‏:‏ ‏{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ}‏ إنما نزلت باتفاق أهل التفسير والسير فى اليهود المجاورين للمدينة أولا كبنى قينقاع وقريظة والنضير، وهم الذين كانوا يحالفون الأوس والخزرج، وهم الذين عاهدهم النبى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، ثم لما نقضوا العهد حاربهم، فحارب أولاً بنى قينقاع ثم النضير ـ وفيهم نزلت سورة الحشر ـ ثم قريظة عام الخندق، فكيف يقال‏.‏ نزلت فى يهود خيبر وغطفان ‏؟‏ فإن هذا من كذاب جاهل لم يحسن كيف يكذب، ومما يبين ذلك أنه ذكر فيه انتصار اليهود على غطفان لما دعوا بهذا الدعاء، وهذا مما لم ينقله أحد غير هذا الكذاب، ولو كان هذا مما وقع لكان مما تتوفر دواعى الصادقين على نقله‏.‏
ومما ينبغى أن يعلم‏.‏ أن مثل هذا اللفظ لو كان مما يقتضى السؤال به، والإقسام به على الله تعالى لم يكن مثل هذا مما يجوز أن يعتمد عليه فى الأحكام؛ لأنه أولا لم يثبت، وليس فى الآية ما يدل عليه، ولو ثبت لم يلزم أن يكون هذا شرعاً لنا، فإن الله تعالى قد أخبر عن سجود إخوة يوسف وأبويه وأخبر عن الذين غلبوا على أهل الكهف أنهم قالوا‏:‏ ‏{لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا}‏‏[‏الكهف‏.‏ 21‏]‏ ونحن قد نهينا عن بناء المساجد على القبور، ولفظ الآية إنما فيه أنهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به‏.‏
وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ}‏‏[‏الأنفال‏:‏ 19‏]‏‏.‏ والاستفتاح‏:‏ طلب الفتح وهو النصر،ومنه الحديث المأثور أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، أى يستنصر بهم أى بدعائهم كما قال‏.‏ ‏(‏وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم، بصلاتهم ودعائهم وإخلاصهم ‏؟‏‏)‏‏.‏
وهذا قد يكون بأن يطلبوا من الله تعالى أن ينصرهم بالنبى المبعوث فى آخر الزمان، بأن يجعل بعث ذلك النبى إليهم لينتصروا به عليهم، لا لأنهم أقسموا على الله وسألوا به، ولهذا قال تعالى‏.‏ ‏{فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ}‏، فلو لم ترد الآثار التى تدل على أن هذا معنى الآية لم يجز لأحد أن يحمل الآية على ذلك المعنى المتنازع فيه بلا دليل؛ لأنه لا دلالة فيها عليه، فكيف وقد جاءت الآثار بذلك ‏؟‏
وأما ما تقدم ذكره عن اليهود من أنهم كانوا ينصرون، فقد بينا أنه شاذ، وليس هو من الآثار المعروفة فى هذا الباب، فإن اليهود لم يعرف أنها غلبت العرب بل كانوا مغلوبين معهم، وكانوا يحالفون العرب فيحالف كل فريق فريقًا، كما كانت قريظة حلفاء الأوس، وكانت النضير حلفاء الخزرج‏.‏
وأما كون اليهود كانوا ينتصرون على العرب فهذا لا يعرف بل المعروف خلافه، والله تعالى قد أخبر بما يدل على ذلك، فقال تعالى‏.‏ ‏{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}‏‏[‏آل عمران‏.‏ 112‏]‏‏.‏
فاليهود ـ من حين ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ـ لم يكونوا بمجردهم ينتصرون لا على العرب ولا غيرهم، وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم قبل الإسلام، والذلة ضربت عليهم من حين بعث المسيح ـ عليه السلام ـ فكذبوه‏.‏ قال تعالى‏.‏ ‏{اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}‏‏[‏آل عمران‏.‏ 55‏]‏، وقـال تعالى‏:‏ ‏{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}‏‏[‏الصف‏:‏ 14‏]‏، وكانوا قد قتلوا يحيى بن زكريا وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}‏‏[‏البقرة‏:‏ 61‏]‏‏.‏
فإذا لم يكن الصحابة كعمر بن الخطاب وغيره، فى حياته صلى الله عليه وسلم وبعد موته، يقسمون بذاته، بل إنما كانوا يتوسلون بطاعته أو بشفاعته، فكيف يقال فى دعاء المخلوقين الغائبين والموتى وسؤالهم من الأنبياء والملائكة وغيرهم، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}‏‏[‏الإسراء ‏:‏56، 57‏]‏‏.‏
قالت طائفة من السلف‏:‏ كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء كالمسيح وعزير وغيرهما، فنهى الله عن ذلك، وأخبر تعالى أن هؤلاء يرجون رحمة الله، ويخافون عذابه، ويتقربون إليه، وأنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين، ولا تحويله عنهم‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}‏‏[‏آل عمران‏:‏ 79، 80‏]‏‏.‏
ولهذا نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يتخذ قبره مسجدًا، وأن يُتخذ عيدًا، وقال فى مرض موته‏:‏ ‏(‏لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏ يحذر ما صنعوا، أخرجاه فى الصحيحين‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏اللهم لا تجعل قبرى وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏ رواه مالك فى موطئه، وقال‏:‏ ‏(‏لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا‏:‏ عبد الله ورسوله‏)‏ متفق عليه‏.‏
وقال‏:‏ ‏(‏لا تقولوا‏:‏ ما شاء الله وشاء محمد‏.‏ بل ما شاء الله ثم شاء محمد‏)‏‏.‏ وقال له بعض الأعراب‏:‏ ما شاء الله وشئت، فقال‏:‏ ‏(‏أجعلتنى لله ندًا ‏؟‏ بل ما شاء الله وحده‏)‏‏.‏ وقد قال الله تعالى له‏:‏ ‏{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}‏‏[‏الأعراف ‏:‏188‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا}‏‏[‏يونس ‏:‏49‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}‏‏[‏القصص‏:‏ 56‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}‏‏[‏آل عمران‏:‏ 128‏]‏‏.‏ وهذا تحقيق التوحيد مع أنه صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق على الله، وأعلاهم منزلة عند الله‏.‏
وقد روى الطبرانى فى معجمه الكبير أن منافقًا كان يؤذى المؤمنين، فقال أبو بكر‏:‏ قوموا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق‏.‏ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يستغاث بى وإنما يستغاث بالله‏)‏‏.‏
وفى صحيح مسلم فى آخره أنه قال قبل أن يموت بخمس‏:‏ ‏(‏إن من كان قبلكم يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإنى أنهاكم عن ذلك‏)‏‏.‏ وفى صحيح مسلم أيضا وغيره أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها‏)‏‏.‏
وفى الصحيحين من حديث أبى سعيد وأبى هريرة وله طرق متعددة عن غيرهما أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد‏:‏ مسجدى هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى‏)‏‏.‏ وسئل مالك عن رجل نذر أن يأتى قبر النبى صلى الله عليه وسلم فقال مالك‏:‏ إن كان أراد القبر فلا يأته، وإن أراد المسجد فليأته‏.‏ ثم ذكر الحديث‏:‏ ‏(‏لا تشد الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد‏)‏‏.‏ ذكره القاضى إسماعيل فى مبسوطه‏.‏
ولو حلف حالف بحق المخلوقين لم تنعقد يمينه، ولا فرق فى ذلك بين الأنبياء والملائكة وغيرهم، ولله تبارك وتعالى حق لا يشركه فيه أحد لا الأنبياء ولا غيرهم، وللأنبياء حق، وللمؤمنين حق، ولبعضهم على بعض حق‏.‏
فحقه تبارك وتعالى أن يعبدوه لا يشركوا به، كما تقدم فى حديث معاذ، ومن عبادته تعالى أن يخلصوا له الدين، ويتوكلوا عليه، ويرغبوا إليه، ولا يجعلوا لله ندًا‏:‏ لا فى محبته ولا خشيته ولا دعائه ولا الاستعانة به، كما فى الصحيحين أنه قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من مات وهو يدعو ندا من دون الله دخل النار‏)‏ وسئل‏:‏ أى الذنب أعظم ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أن تجعل لله ندًا وهو خلقك‏)‏‏.‏ وقيل له‏:‏ ما شاء الله وشئت‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏أجعلتنى لله ندًا ‏!‏ بل ما شاء الله وحده‏)‏‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}‏‏[‏النساء‏:‏ 48، 116‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}‏‏[‏البقرة‏:‏ 22‏]‏، ‏{وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ}‏‏[‏النحل‏:‏ 51‏]‏،‏{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}‏‏[‏العنكبوت‏:‏ 56‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}‏‏[‏الشرح‏:‏ 7، 8‏]‏، وقال تعالى فى فاتحة الكتاب التى هى أم القرآن‏:‏ ‏{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}‏‏[‏الفاتحة‏:‏ 5‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ}‏‏[‏البقرة‏:‏ 165‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}‏‏[‏المائدة‏:‏ 44‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}‏‏[‏الأحزاب‏:‏ 39‏]‏‏.‏
ولهذا لما كان المشركون يخوفون إبراهيم الخليل ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال تعالى‏:‏ ‏{وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}‏‏[‏الأنعام‏:‏ 80‏:‏ 82‏]‏‏.‏
وفى الصحيحين عن ابن مسعود قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}‏ شق ذلك على أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وقالوا‏:‏ أينا لم يظلم نفسه ‏؟‏ فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما ذاك الشرك، كما قال العبد الصالح‏:‏ ‏{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}‏‏[‏لقمان‏:‏ 13‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏‏{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}‏‏[‏النور‏:‏52‏]‏ فجعل الطاعة لله والرسول، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله‏.‏ وجعل الخشية والتقوى لله وحده، فلا يخشى إلا الله، ولا يتقى إلا الله ،وقال تعالى‏:‏ ‏{فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً}‏‏[‏المائدة‏:‏ 44‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}‏‏[‏آل عمران ‏:‏175‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ}‏‏[‏التوبة‏:‏ 59‏]‏‏.‏ فجعل سبحانه الإيتاء لله والرسول فى أول الكلام وآخره، كقوله تعالى‏:‏ ‏{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ}‏‏[‏الحشر‏:‏ 7‏]‏ مع جعله الفضل لله وحده، والرغبة إلى الله و