المصدر : فتاوى اللجنة الدائمة
موضوع الفتوى : العقيدة
السؤال :
ما قولكم في رسالة الشيخ سليمان بن سحمان إلى الشيخ علي بن عبد الله بن عيسى وفيها قوله في إبطال دعوى من ادعى على أنه يجوز التوسل بحق الأنبياء والأولياء والسؤال بهم: فإن شيخ الإسلام ذكر أنه لا يعرف قائلا بذلك، ولا يجوز القسم بنبينا صلى الله عليه وسلم إلا ما يذكر عن العز بن عبد السلام على تقدير صحة الحديث
الجواب :
ما نقله الشيخ سليمان بن سحمان عن شيخ الإسلام ابن تيمية من أنه قال: (لا أعرف قائلا بذلك، ولا يجوز القسم بنبينا صلى الله عليه وسلم إلا ما يذكر عن العز بن عبد السلام على تقدير صحة الحديث). نقل صحيح يعرف ذلك بالرجوع إلى (ص 337) و (ص347) من ج1 من (مجموع الفتاوى). والمراد بالحديث هنا: حديث توسل الأعمى بالنبي صلى الله عليه وسلم واستشفاعه به أن يرد الله تعالى بصره، فقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عثمان بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبين ابن تيمية رحمه الله أنه على تقدير صحته فليس فيه دليل على التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه التوسل إلى الله بدعائه صلى الله عليه وسلم ربه أن يرد إلى هذا الأعمى بصره. وفيما يلي ما ذكره ابن تيمية من روايات الحديث وكلامه عليها لزيادة الإيضاح: (وقد روى الترمذي حديثا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم رجلا يدعو فيقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد يا رسول الله، إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي، اللهم شفعه في وروى النسائي نحو هذا الدعاء. وفي الترمذي وابن ماجه عن عثمان بن حنيف: أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، فقال: "إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك" فقال: فادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا رسول الله يا محمد، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه النسائي عن عثمان بن حنيف ولفظه: أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله، ادع الله أن يكشف لي عن بصري قال: "فانطلق فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني أتوجه بك إلى ربي أن يكشف عن بصري اللهم فشفعه في قال: فرجع وقد كشف الله عن بصره وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا روح، حدثنا شعبة عن عمير بن يزيد الخطمي المديني قال: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، ادع الله أن يعافيني، فقال: "إن شئت أخرت ذلك فهو خير لآخرتك، وإن شئت دعوت لك" قال: لا، بل ادع الله لي، فأمره أن يتوضأ وأن يصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى، اللهم فشفعني فيه وشفعه في، قال: ففعل الرجل فبرأ. فهذا الحديث فيه التوسل به إلى الله في الدعاء. فمن الناس من يقول: هذا يقتضي جواز التوسل به مطلقا حيا أو ميتا. وهذا يحتج به من يتوسل بذاته بعد موته وفي مغيبه ويظن هؤلاء أن توسل الأعمى والصحابة في حياته كان بمعنى الإقسام به على الله، أو بمعنى أنهم سألوا الله بذاته أن يقضي حوائجهم ويظنون أن التوسل به لا يحتاج إلى أن يدعو هو لهم ولا أن يطيعوه فسواء عند هؤلاء دعا الرسول لهم أو لم يدع؛ الجميع عندهم توسل به، وسواء أطاعوه أو لم يطيعوه ويظنون أن الله تعالى يقضي حاجة هذا الذي توسل به بزعمهم ولم يدع له الرسول، كما يقضي حاجة هذا الذي توسل بدعائه ودعا له الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كلاهما متوسل به عندهم ويظنون أن كل من سأل الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد توسل به كما توسل به ذلك الأعمى، وأن ما أمر به الأعمى مشروع لهم، وقول هؤلاء باطل شرعا وقدرا، فلا هم موافقون لشرع الله، ولا ما يقولونه مطابق لخلق الله. ومن الناس من يقولون: هذه قضية عين يثبت الحكم في نظائرها التي تشبهها في مناط الحكم، لا يثبت الحكم بها فيما هو مخالف لها لا مماثل لها، والفرق ثابت شرعا وقدرا بين من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من لم يدع له، ولا يجوز أن يجعل أحدهما كالآخر. وهذا الأعمى شفع له النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا قال في دعائه: "اللهم فشفعه في" فعلم أنه شفيع فيه، ولفظه: "إن شئت صبرت، وإن شئت دعوت لك" فقال: ادع لي، فهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ويدعو هو أيضا لنفسه ويقول في دعائه: "اللهم شفعه في"، فدل ذلك على أن معنى قوله: "أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم أي: بدعائه وشفاعته، كما قال عمر:" اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبيك فتسقينا). فالحديثان معناهما واحد: فهو صلى الله عليه وسلم علم رجلا أن يتوسل به في حياته كما ذكر عمر أنهم كانوا يتوسلون به إذا أجدبوا ثم إنهم بعد موته إنما كانوا يتوسلون بغيره بدلا عنه. فلو كان التوسل به حيا وميتا سواء، والمتوسل به الذي دعا له الرسول كمن لم يدع له الرسول، لم يعدلوا عن التوسل به وهو أفضل الخلق وأكرمهم على ربه وأقربهم إليهم وسيلة - إلى أن يتوسلوا بغيره ممن ليس مثله. وكذلك لو كان الأعمى توسل به ولم يدع له الرسول بمنزلة ذلك الأعمى لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى، فعدولهم عن هذا إلى هذا - مع أنهم السابقون الأولون المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فإنهم أعلم منا بالله ورسوله وبحقوق الله ورسوله وما يشرع من الدعاء وينفع وما لم يشرع ولا ينفع وما يكون أنفع من غيره، وهم في وقت الضرورة ومخمصة وجدب يطلبون تفريج الكربات وتيسير العسير وإنزال الغيث بكل طريق ممكن - دليل على أن المشروع ما سلكوه دون ما تركوه. ولهذا ذكر الفقهاء في كتبهم في الاستسقاء ما فعلوه دون ما تركوه، وذلك أن التوسل به حيا هو الطلب لدعائه وشفاعته، وهو من جنس مسألته أن يدعو لهم وهذا مشروع، فما زال المسلمون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته أن يدعو لهم، وأما بعد موته فلم يكن الصحابة يطلبون منه الدعاء لا عند قبره ولا عند غير قبره، كما يفعل كثير من الناس عند قبور الصالحين، يسأل أحدهم الميت حاجته. أو يقسم على الله به ونحو ذلك.
|
|