المصدر : فتاوى الفوزان
موضوع الفتوى : العلم وتعلمه
السؤال :
كثير من الشباب زهدوا في متابعة الدُّروس العلميَّة المسجَّلة ولزوم دروس أهل العلم الموثوقين، واعتبروها غير هامَّة، أو قليلة النَّفع، واتَّجَهوا إلى المحاضرات العصريَّة التي تتحدَّث عن السياسة وأوضاع العالم؛ لاعتقادهم أنَّها أهمُّ؛ لأنَّها تعتني بالواقع؛ فما نصيحتكم لهؤلاء الشباب؟
الجواب :
هذا كما سبق؛ الاشتغال بالمحاضرات العامَّة والصَّحافة وبما يدور بالعالم دون علم بالعقيدة ودون علم بأمور الشَّرع تضليل وضياع، ويصبح صاحبها مشوَّش الفكر؛ لأنه استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. والله سبحانه وتعالى أمرنا بتعلُّم العلم النافع أولاً؛ قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [محمد: 19.]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر: 9.]، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28.]، {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114.]... إلى غير ذلك من الآيات التي تحثُّ على طلب العلم المنزَّل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ هذا هو العلم النافع المفيد في الدُّنيا والآخرة، وهذا هو النُّورُ الذي يبصِرُ الإنسان به الطَّريق إلى الجنة وإلى السَّعادة والطَّريق إلى العيشة الطَّيّبة النزيهة في الدُّنيا. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [النساء: 174-175.]. ونحن نقرأ سورة الفاتحة، وفيها الدُّعاء العظيم: {اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6-آخرها.]. والذي أنعم الله عليهم هُم الذين جمعوا بين العلم النَّافع والعمل الصالح {مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69.]. و{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ } [الفاتحة: 7.] : هُم الذين أخذوا العِلم وتركوا العمل. {وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7.] : هم الذين أخذوا العمل وتركوا العلم. فالصنف الأوّل مغضوب عليه؛ لأنه عصى الله على بصيرة، والصِّنف الثاني ضالٌّ؛ لأنه عمل بدون علم، لا ينجو إلا الذين أنعم الله عليهم، وهم أهل العلم النَّافع والعمل الصَّالح؛ فيجب أن يكون هذا لنا على بالٍِ. وأما الاشتغال بواقع العصر كما يقولون، أو فقه الواقع؛ فهذا إنما يكون بعد الفقه الشرعيِّ؛ إذ الإنسان بالفقه الشرعيِّ ينظر إلى واقع الناس وما يدور في العالم وما يأتي من أفكار ومن آراء، ويعرضها على العلم الشرعيِّ الصَّحيح؛ ليميز خيرها من شرِّها، وبدون العلم الشرعيِّ؛ فإنه لا يُميِّزُ بين الحقِّ والباطل والهُدى والضَّلال؛ فالذي يشتغل بادئ ذي بدء بالأمور الثقافية والأمور الصَّحافيّة والأمور السياسيّة، وليس عنده بصيرة من دينه؛ فإنّه يَضِلُّ بهذه الأمور؛ لأنَّ أكثر ما يدور فيها ضلالة ودعية للباطل وزُخرُفٌ من القول وغرور، نسأل الله العافية والسَّلامة.
|
|