المصدر : مجموع فتاوى ابن تيمية
موضوع الفتوى : العقيدة
الكتاب : كتاب توحيد الألوهية

السؤال :

قاعدة أولية: أصل العلم الإلهي ومبدأه عند الرسول والذين آمنوا

الجواب :

بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
وقال شيخ الإسلام أَحْمَدُ بن تَيْمية ـ قدسَ اللَّه روحه‏:‏
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم تسليما‏.‏
قاعدة أولية ‏:‏
وقال المؤلف - أيضًا- في حاشية له أخرى على هذه القاعدة -‏:‏وقال أبو محمد عبد اللّه بن أحمد الخليدي في كتابه ‏[‏شرح اعتقاد أهل السنة‏]‏ لأبي على الحسين بن أحمد الطبري، وهذا لعله ممن أدرك أحمد وغيره، قال الخليدي في معرفة اللّه‏:‏ وهي أول الفرض الذي لا يسع المسلم جهله، ولا تنفعه الطاعة- وإن أتى بجميع طاعة أهل الدنيا - ما لم تكن معه معرفة وتقوى‏.‏ فالمسلم إذا نظر في مخلوقات اللّه تعالى وما خلق من عجائبه، مثل دوران الليل والنهار، والشمس والقمر، وتفكر في نفسه، وفي مبدئه ومنتهاه فتزيد معرفته بذلك‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏‏{‏وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ‏}‏ ‏[‏الذاريات21‏]‏
وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من عرف نفسه عرف ربه‏)‏ ولسنا نقول‏:‏ إن اللّه يعرف بالمخلوقات، بل المخلوقات كلها تعرف باللّه، لكن معرفته تزيد بالنظر في مخلوقات اللّه‏.‏
وسئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن رجل يقول‏:‏عرفت اللّه بالعقل والإلهام فقال‏:‏من قال‏:‏عرفت اللّه بالعقل والإلهام فهو مبتدع، عرفنا كل شيء باللّه‏.‏
وسئل ذو النون المصري‏:‏ بماذا عرفت ربك‏؟‏ فقال‏:‏ عرفت ربي بربي، ولولا ربي ما عرفت ربي‏!‏،وقال عبد اللّه بن رواحه‏:‏
واللّه لولا اللّه ما اهتدينا ** ولا تصدقنــا ولا صلينــا
إلى آخره‏.‏وكان هذا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه، فدل على صحة قول علمائنا‏:‏ إن اللّه يعرف باللّه، والأشياء كلها تعرف باللّه‏.‏ هذا آخر كلامه‏.‏
وهو متعلق بما قد كتبته هنا، وبما كتبته في الجزء الذي بعد هذا في تحرير أصل العلم والإيمان،والفرق بين المنهاج النبوي، والفلسفي، وما كتبته في شرح قصيدة القدر‏:‏ من أن أصل المعرفة فطري، وذكر الطريقة الكلامية والفلسفية‏.‏ وقال شيخ الإسلام الأنصاري في أول اعتقاد أهل السنة، وما وقع عليه إجماع أهل الحق من الأمة‏:‏ أول ما يجب على العبد معرفة اللّه؛ لحديث معاذ لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة اللّه،فإذا عرفوا اللّه -سبحانه- فأخبرهم أن اللّه افترض عليهم‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث رواه مسلم هكذا‏.‏ ورواه البخاري‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فاعلم أن معرفة اللّه وعبادته والإيمان به إنما يجب، ويسمع، ويلزم بالبلاغ، ويحصل بالتعريف‏)‏‏.‏
قلت‏:‏ قد روي عن ابن عباس أنه قيل له‏:‏ بماذا عرفت ربك‏؟‏ فقال‏:‏ من طلب دينه بالقياس، لم يزل دهره في التباس، ظاعنًا في الاعوجاج،زائغًا عن المنهاج،أعرفه بما عرف به نفسه،وأصفه بما وصف به نفسه اهـ‏.‏‏"‏
أن أصل العلم الإلهي، ومبدأه، ودليله الأول، عند الذين آمنوا‏:‏ هو الإيمان باللّه ورسوله، وعند الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ هو وحي اللّه إليه، كما قال خاتم الأنبياء‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللْه، وأن محمدا رسول اللّه، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها‏)‏‏.‏
وقال اللّه تعالى له‏:‏ ‏{‏قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ِِِ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏50 ‏]‏، وقال‏{‏وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى‏}‏ ‏[‏ الضحى‏:‏ 7 ‏]‏ وقال ‏{‏نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ‏}‏ ‏[‏ يوسف‏:‏3‏]‏ فأخبر أنه كان قبله من الغافلين، وقال ‏{‏وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا‏}‏ ‏[‏ الشورى‏:‏ 52‏]‏‏.‏ وفي صحيح البخارى في خطبة عمر لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم ـ كلام معناه ـ‏:‏‏(‏إن اللّه هدى نبيكم بهذا القرآن فاستمسكوا به فإنكم‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏
وتقرير الحجة في القرآن بالرسل كثير‏.‏ كقوله‏{‏لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 165 ‏]‏ وقوله ‏{‏وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا‏}‏‏[‏الإسراء‏:‏15‏]‏ وقوله‏:‏‏{‏وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ‏}‏ الآية ‏[‏طه‏:‏134‏]‏،وقوله‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا ِ‏}‏الآية ‏[‏القصص‏:‏ 59‏]‏،وقوله‏:‏‏{‏كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏8‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ‏}‏الآية ‏[‏الزمر‏:‏71‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ‏}‏ الآية ‏[‏الرحمن‏:‏33‏]‏‏.‏
ولهذا كان طائفة من أئمة المصنفين للسنن على الأبواب، إذا جمعوا فيها أصناف العلم‏:‏ ابتدؤوها بأصل العلم والإيمان‏.‏ كما ابتدأ البخاري صحيحه ببدء الوحي ونزوله، فأخبر عن صفة نزول العلم والإيمان على الرسول أولا، ثم أتبعه بكتاب الإيمان الذي هو الإقرار بما جاء به، ثم بكتاب العلم الذي هو معرفة ما جاء به، فرتبه الترتيب الحقيقي‏.‏ وكذلك الإمام أبو محمد الدارمي صاحب ‏[‏المسند‏]‏ ابتدأ كتابه بدلائل النبوة، وذكر في ذلك طرفًا صالحًا‏.‏ وهذان الرجلان أفضل بكثير من مسلم، والترمذي ونحوهما، ولهذا كان أحمد بن حنبل يعظم هذين ونحوهما؛ لأنهم فقهاء في الحديث أصولا وفروعا‏.‏
ولما كان أصل العلم والهدى هو الإيمان بالرسالة المتضمنة للكتاب والحكمة، كان ذكره طريق الهداية بالرسالة ـ التي هي القرآن، وما جاءت به الرسل ـ كثيرًا جدًا، كقوله‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏2‏]‏،وقوله‏:‏‏{‏هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏138‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏9‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ‏.‏ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏3، 4 ‏]‏ وقوله‏:‏‏{‏كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏1‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى‏.‏ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏123، 124‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏.‏صِرَاطِ اللَّهِ‏}‏‏[‏الشورى‏:‏52، 53‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ‏}‏‏[‏آل عمران‏:‏101‏]‏
فيعلم أن آيات اللّه والرسول تمنع الكفر، وهذا كثير‏.‏وكذلك ذكره حصول الهداية،والفلاح للمؤمنين دون غيرهم ملء القرآن،كقوله‏:‏ ‏{‏هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ‏.‏ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏}‏ الآية ‏[‏البقرة‏:‏2، 3‏]‏‏.‏ ثم ذم الذين كفروا، والذين نافقوا وقوله‏:‏‏{‏وَالْعَصْر‏.‏ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ‏.‏ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏‏[‏العصر‏:‏ 1‏:‏ 3‏]‏،وقوله‏:‏ ‏{‏ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ‏.‏ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏‏[‏التين‏:‏5، 6‏]‏
فحكم على النوع كله، والأمة الإنسانية جميعها، بالخسارة، والسفول إلى الغاية، إلا المؤمنين الصالحين‏.‏
وكذلك جعل أهل الجنة هم أهل الإيمان،وأهل النار هم أهل الكفر،فيما شاء اللّه من الآيات، حتى صار ذلك معلوما علما شائعًا، متواترًا، اضطراريا من دين الرسول عند كل من بلغته رسالته‏.‏
وربط السعادة مع إصلاح العمل به في مثل قوله‏:‏ ‏{‏مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏97‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏91‏]‏‏.‏
وأحبط الأعمال الصالحة بزواله، في مثل قوله‏:‏‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏93‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏18‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ‏}‏ الآية ‏[‏آل عمران‏:‏ 117‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏32‏]‏، ونحو ذلك كثير‏.‏
وذكر حال جميع الأمم المهتدية أنهم كذلك، في قوله‏:‏‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا ‏}‏ الآية ‏[‏البقرة‏:‏62‏]‏
ولهذا أمر أهل العقل بتدبره، وأهل السمع بسمعه، فدعا فيه إلى التدبر، والتفكير، والتذكر، والعقل، والفهم، وإلى الاستماع، والإبصار، والإصغاء والتأثر بالوَجَل والبكاء وغير ذلك، وهذا باب واسع‏.‏
ولما كان الإقرار بالصانع فطريا - كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كل مولود يولد على الفطرة‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث - فإن الفطرة تتضمن الإقرار باللّه، والإنابة إليه، وهو معنى لا إله إلا اللّه، فإن الإله هو الذي يعرف ويعبد، وقد بسطت هذا المعنى في غير هذا الموضع‏.‏
وكان المقصود بالدعوة‏:‏وصول العباد إلى ما خلقوا له من عبادة ربهم،وحده لا شريك له،والعبادة أصلها عبادة القلب،المستتبع للجوارح،فإن القلب هو الملك،والأعضاء جنوده‏.‏ وهو المضغة الذي إذا صلحت صلح لها سائر الجسد،وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد‏.‏ وإنما ذلك بعلمه،وحاله كان هذا الأصل الذي هو عبادة اللّه بمعرفته،ومحبته،هو أصل الدعوة في القرآن‏.‏فقال تعالى‏:‏‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏65‏]‏ وقال في صدر البقرة ـ بعد أن صنف الخلق ثلاثة أصناف‏:‏ مؤمن، وكافر، ومنافق ـ فقال بعد ذلك‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏21‏]‏ وذكر آلاءه التي تتضمن نعمته، وقدرته، ثم أتبع ذلك بتقريره النبوة بقوله‏:‏ ‏{‏وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏23‏]‏‏.‏
والمتكلم يستحسن مثل هذا التأليف، ويستعظمه حيث قررت الربوبية، ثم الرسالة، ويظن أن هذا موافق لطريقته الكلامية في نظره في القضايا العقليات، أولا من تقرير الربوبية، ثم تقرير النبوة، ثم تلقى السمعيات من النبوة كما هي الطريقة المشهورة الكلامية للمعتزلة، والكرَّامية، والكُلاَّبية، والأشعرية‏.‏ ومن سلك هذه الطريق في إثبات الصانع أولا بناء على حدوث العالم، ثم إثبات صفاته نفيا وإثباتا بالقياس العقلي ـ على ما بينهم فيه من اتفاق واختلاف‏:‏ إما في المسائل، وإما في الدلائل ـ ثم بعد ذلك يتكلمون في السمعيات، من المعاد، والثواب والعقاب، والخلافة والتفضيل، والإيمان بطريق مجمل‏.‏
وإنما عمدة الكلام عندهم، ومعظمه‏:‏ هو تلك القضايا التي يسمونها العقليات، وهي أصول دينهم‏.‏ وقد بنوها علي مقاييس تستلزم رد كثير مما جاءت به السنة، فلحقهم الذم من جهة ضعف المقاييس التي بنوا عليها، ومن جهة ردهم لما جاءت به السنة‏.‏
وهم قسمان‏:‏
قسم بنوا على هذه العقليات القياسية الأصول العلمية، دون العملية؛ كالأشعرية‏.‏
وقسم بنوا عليها الأصول العلمية والعملية، كالمعتزلة،حتى إن هؤلاء يأخذون القدر المشترك في الأفعال بين اللّه وبين عباده، فما حسن من اللّه حسن من العبد، وما قبح من العبد قبح من اللّه، ولهذا سماهم الناس مشبهة الأفعال‏.‏
ولا شك أن هؤلاء هم المتكلمة المذمومون عند السلف؛ لكثرة بنائهم الدين على القياس الفاسد الكلامي، وردهم لما جاء به الكتاب والسنة‏.‏
والآخرون لما شاركوهم في بعض ذلك،لحقهم من الذم، والعيب، بقدر ما وافقوهم فيه، وهو موافقتهم في كثير من دلائلهم، التي يزعمون أنهم يقررون بها أصول الدين، والإيمان، وفي طائفة من مسائلهم التي يخالفون بها السنن والآثار، وما عليه أهل العقل والدين‏.‏
وليس الغرض هنا تفصيل أحوالهم، فإنا قد كتبنا فيه أشياء في غير هذا الموضع‏.‏ وإنما الغرض هنا أن طريقة القرآن جاءت في أصول الدين، وفروعه ـ في الدلائل والمسائل ـ بأكمل المناهج‏.‏
والمتكلم يظن أنه بطريقته ـ التي انفرد بها- قد وافق طريقة القرآن، تارة في إثبات الربوبية، وتارة في إثبات الوحدانية، وتارة في إثبات النبوة، وتارة في إثبات المعاد، وهو مخطئ في كثير من ذلك، أو أكثره‏.‏ مثل هذا الموضع‏.‏
فإنه قد أخطأ المتكلم في ظنه أن طريقة القرآن توافق طريقته من وجوه‏.‏
منها‏:‏ أن إثبات الصانع في القرآن بنفس آياته، التي يستلزم العلم بها العلم به، كاستلزام العلم بالشعاع، العلم بالشمس، من غير احتياج إلى قياس كلي يقال فيه‏:‏ وكل محدَث فلابد له من محدِث، أو كل ممكن فلابد له من مرجح، أو كل حركة فلابد لها من علة غائية،أو فاعلية، ومن غير احتياج إلى أن يقال‏:‏ سبب الافتقار إلى الصانع هل هو الحدوث فقط - كما تقوله المعتزلة - أو الإمكان - كما يقوله الجمهور - حتى يرتبون عليه أن الثاني حال باقية مفتقر إلى الصانع، على القول الثاني الصحيح دون الأول، فإنى قد بسطت هذا الموضع في غير هذا المكان،وبينت ما هو الحق، من أن نفس الذوات المخلوقة مفتقرة إلى الصانع، وأن فقرها وحاجتها إليه وصف ذاتي لهذه الموجودات المخلوقة، كما أن الغنى وصف ذاتي للرب الخالق، وأنه لا علة لهذا الافتقار غير نفس الماهية، وعين الإنيةِ، كما أنه لا علة لغناه غير نفس ذاته‏.‏
فلك أن تقول‏:‏ لا علة لفقرها، وغناه؛ إذ ليس لكل أمر علة، فكما لا علة لوجوده، وغناه، لا علة لعدمها إذا لم يشأ كونها، ولا لفقرها إليه إذا شاء كونها، وإن شئت أن تقول‏:‏ علة هذا الفقر، وهذا الغني‏:‏ نفس الذات، وعين الحقيقة‏.‏
ويدل على ذلك أن الإنسان يعلم فقر نفسه، وحاجتها إلى خالقه، من غير أن يخطر بباله أنها ممكنة، والممكن الذي يقبل الوجود، والعدم، أو أنها محدثة والمحدث المسبوق بالعدم، بل قد يشك في قدمها، أو يعتقده، وهو يعلم فقرها، وحاجتها إلى بارئها، فلو لم يكن للفقر إلي الصانع علة إلا الإمكان أو الحدوث، لما جاز العلم بالفقر إليه، حتى تعلم هذه العلة؛ إذ لا دليل عندهم على الحاجة إلى المؤثر إلا هذا‏.‏
وحينئذ، فالعلم بنفس الذوات المفتقرة، والإنيات المضطرة توجب العلم بحاجتها إلى بارئها، وفقرها إليه، ولهذا سماها اللّه آيات‏.‏ فهذان مقامان‏:‏
أحدهما‏:‏ أنها مفتقرة إلى المؤثر الموجب أو المحدث لهاتين العلتين‏.‏
الثاني‏:‏ أن كل مفتقر إلى المؤثر‏:‏ الموجب، أو المحدث، فلابد له منه‏.‏ وهو كلام صحيح في نفسه، لكن ليس الطريق مفتقرا إليه، وفيه طول وعقبات، تبعد المقصود‏.‏
أمـا المقام الأول‏:‏ فالعلم بفقرها غير مفتقر إلى دليل على ذلك من إمكان أو حدوث‏.‏
وأما الثاني‏:‏ فإن كونها مفتقرة إليه غير مفتقر إلى أن يستدل عليه بقياس كلي‏:‏ من أن كل ممكن فلابد له من موجب، وكل محدث فلابد له من محدث؛ لأنها آية له يمتنع أن تكون دونه أو أن تكون غير آية له‏.‏
والقلب بفطرته يعلم ذلك، وإن لم يخطر بقلبه وصف الإمكان والحدوث‏.‏ والنكتة‏:‏ أن وصف الإمكان، والحدوث، لا يجب أن يعتبره القلب لا في فقر ذواتها، ولا في أنها آية لباريها، وإن كانا وصفين ثابتين‏.‏ وهما أيضا دليل صحيح، لكن أعيان الممكنات آية لعين خالقها الذي ليس كمثله شىء، بحيث لا يمكن أن يقع شركة فيه‏.‏
وأما قولنا كل ممكن فله مرجح، وكل محدث فله محدث، فإنما يدل على محدث، ومرجح، وهو وصف كلي يقبل الشركة، ولهذا القياس العقلي لا يدل على تعيين وإنما يدل على الكلي المطلق فلابد إذًا من التعيين‏.‏ فالقياس دليل على وصفية مطلقة كلية‏.‏
وأيضا، فإذا استدل على الصانع بوصف إمكانها، أو حدوثها، أو هما جميعا،لم يفتقر ذلك إلى قياس كلي، بأن يقال‏:‏ وكل محدث فلابد له من محدث، أو كل ممكن فلابد له من مرجح، فضلا عن تقرير هاتين المقدمتين، بل علم القلب بافتقار هذا الممكن، وهذا المحدث، كعلمه بافتقار هذا الممكن، وهذا المحدث‏.‏ فليس العلم بحكم المعينات مستفادًا من العلم الكلي الشامل لها، بل قد يكون العلم بحكم المعين في العقل قبل العلم بالحكم الكلي العام‏.‏ كما أن العلم بأن العشرة ضعف الخمسة، ليس موقوفًا على العلم بأن كل عدد له نصفية، فهو ضعف نصفيه‏.‏
وعلى هذا جاء قوله‏:‏‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏35‏]‏ قال جبير ابن مطعم‏:‏ لما سمعتها أحسست بفؤادي قد تصدع‏.‏ وهو استفهام إنكار، يقول‏:‏أأوجدوا من غير مبدع‏؟‏ فهم يعلمون أنهم لم يكونوا من غير مكوِّن، ويعلمون أنهم لم يكوِّنوا نفوسهم، وعلمهم بحكم أنفسهم معلوم بالفطرة بنفسه، لا يحتاج أن يستدل عليه بأن كل كائن محدَث، أو كل ممكن لا يوجد بنفسه، ولا يوجد من غير موجِد، وإن كانت هذه القضية العامة، النوعية، صادقة، لكن العلم بتلك المعينة الخاصة، إن لم يكن سابقًا لها، فليس متأخرًا عنها، ولا دونها في الجلاء‏.‏
وقد بسطت هذا المعنى في غير هذا الموضع، وذكرت دعوة الأنبياء ـ عليهم السلام ـ أنه جاء بالطريق الفطرية كقولهم‏:‏‏{‏أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏10‏]‏ وقول موسى‏:‏ ‏{‏رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏65 ‏]‏ وقوله في القرآن‏:‏ ‏{‏اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏.‏الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا‏}‏‏[‏البقرة‏:‏21، 22‏]‏،بين أن نفس هذه الذوات آية لله،كما أشرنا إليه أولًا من غير حاجة إلى ذينك المقامين، ولما وبخهم بيَّن حاجتهم إلى الخالق بنفوسهم، من غير أن تحتاج إلى مقدمة كلية‏:‏ هم فيها وسائر أفرادها سواء، بل هم أوضح‏.‏ وهذا المعنى قررته مبسوطًا في غير هذا‏.‏
الوجه الثاني - في مفارقة الطريقة القرآنية الكلامية -‏:‏ أن اللّه أمر بعبادته التي هي كمال النفوس، وصلاحها، وغايتها، ونهايتها، لم يقتصر على مجرد الإقرار به، كما هو غاية الطريقة الكلامية، فلا وافقوا لا في الوسائل، ولا في المقاصد، فإن الوسيلة القرآنية قد أشرنا إلى أنها فطرية قريبة، موصلة إلى عين المقصود، وتلك قياسية بعيدة، ولا توصل إلا إلى نوع المقصود، لا إلى عينه‏.‏
وأما المقاصد، فالقرآن أخبر بالعلم به والعمل له، فجمع بين قوتي الإنسان العلمية، والعملية‏:‏ الحسية، والحركية، الإرادية الإدراكية، والاعتمادية‏:‏ القولية، والعملية، حيث قال‏:‏ ‏{‏اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ‏}‏ فالعبادة لابد فيها من معرفته، والإنابة إليه، والتذلل له، والافتقار إليه، وهذا هو المقصود‏.‏ والطريقة الكلامية، إنما تفيد مجرد الإقرار، والاعتراف بوجوده‏.‏
وهذا إذا حصل من غير عبادة وإنابة كان وبالا على صاحبه، وشقاء له، كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏أشد الناس عذابًا يوم القيامة‏:‏ عالم لم ينفعه اللّه بعلمه‏)‏ كإبليس اللعين، فإنه معترف بربه، مُقِرٌّ بوجوده، لكن لما لم يعبده كان رأس الأشقياء، وكل من شقى فباتباعه له‏.‏ كما قال‏:‏‏{‏لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ‏}‏‏[‏ص‏:‏58‏]‏
فلابد أن يملأ جهنم منه ومن أتباعه، مع أنه معترف بالرب، مقر بوجوده، وإنما أبى واستكبر عن الطاعة، والعبادة، والقوة العلمية مع العملية بمنزلة الفاعل، والغاية؛ ولهذا قيل‏:‏العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر، والمراد بالعمل هنا‏:‏ عمل القلب الذي هو إنابته إلى اللّه، وخشيته له، حتى يكون عابدًا له‏.‏
فالرسل والكتب المنزلة أمرت بهذا وأوجبته، بل هو رأس الدعوة، ومقصودها، وأصلها، والطريقة السماعية العملية الصوتية المنحرفة توافق على المقصود العملي، لكن لا بعلم، بل بصوت مجرد أو بشعر مهيج، أو بوصف حب مجمل‏.‏ فكما أن الطريقة الكلامية فيها علم ناقص بلا عمل، فهذه الطريقة فيها عمل ناقص بلا علم، والطريقة النبوية، القرآنية السنية الجماعية فيها العلم والعمل كاملين‏.‏
ففاتحة دعوة الرسل‏:‏ الأمر بالعبادة‏.‏ قال تعالي‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏21‏]‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدًا عبده ورسوله‏)‏ وذلك يتضمن الإقرار به، وعبادته وحده، فإن الإله هو المعبود، ولم يقل‏:‏حتى يشهدوا أن لا رب إلا اللّه، فإن اسم اللّه أدل على مقصود العبادة له، التي لها خلق الخلق، وبها أمروا‏.‏
وكذلك قوله لمعاذ‏:‏ ‏(‏إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدًا رسول اللّه‏)‏ وقال نوح عليه السلام‏:‏ ‏{‏أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ‏}‏ ‏[‏نوح‏:‏ 3‏]‏ وكذلك الرسل في سورة الأعراف وغيرها‏.‏
وقال‏:‏‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏36‏]‏، وقال للرسل جميعًا‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ‏.‏وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ‏}‏‏[‏المؤمنون51، 52‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ‏.‏الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ‏}‏‏[‏سورة قريش‏]‏ وقال‏:‏‏{‏إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏91‏]‏ وقال‏:‏‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏.‏ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ‏.‏ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ‏}‏‏[‏الكافرون‏:‏1: 3‏]‏ وقال في الفاتحة‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ُ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏5‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ٌ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏123‏]‏ وقال‏:‏‏{‏فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏65‏]‏ وقال‏:‏‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء‏}‏ ‏[‏البينة‏:‏5‏]‏‏.







أتى هذا المقال من شبكة الفرقان السلفية
http://www.elforqane.net

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.elforqane.net/fatawa-897.html