المصدر : فتاوى ابن باز
موضوع الفتوى : المجلد الثاني

السؤال :

نصيحة موجهة إلى كافة المسلمين

الجواب :

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، إلى من يراه من المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين ، وأعاذني وإياهم من طريق المغضوب عليهم والضالين آمين .

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد : فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملا بقول الله تعالى : وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وقوله تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وقوله سبحانه : بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وقول النبي صلى الله عليه وسلم :   الدين النصيحة " قيل لمن يا رسول الله؟ . قال :" لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم   رواه مسلم .

ففي هذه الآيات المحكمات ، والحديث الشريف ، صريح الدلالة على مشروعية التذكير والتناصح ، والتواصي بالحق والدعوة إليه ، وذلك لما يترتب عليه من نفع المؤمنين ، وتعليم الجاهل ، وإرشاد الضال ، وتنبيه الغافل ، وتذكير الناسي ، وتحريض العالم

على العمل بما يعلم ، وغير ذلك من المصالح الكثيرة .

والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه ويطيعوه ، وأرسل الرسل مذكرين بذلك ومبشرين ومنذرين ، كما قال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُون ِ وقال تعالى : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِين وقال تعالى : رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل وقال تعالى : فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر

فالواجب على كل من لديه علم أن يذكر بذلك ، وأن يناصح في الله ، ويدعو إليه حسب الطاقة ، أداء لواجب التبليغ والدعوة ، وتأسيا بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام ، وحذرا من إثم الكتمان الذي قد أوعد الله عليه في محكم القرآن ، كما قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُون َ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من دل على خير فله مثل أجر فاعله وقال عليه الصلاة والسلام : من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا رواهما مسلم في صحيحه .

إذا عرف ما تقدم فالذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله سبحانه في السر والعلانية ، والشدة والرخاء ، فإنها وصية الله ، ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه َ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة والتقوى كلمة جامعة ، تجمع الخير كله ، وحقيقتها أداء ما أوجب الله ، واجتناب ما حرمه الله على وجه الإخلاص له والمحبة والرغبة في ثوابه ، والحذر من عقابه ، وقد أمر الله عباده بالتقوى ووعدهم عليها بتيسير الأمور ، وتفريج الكروب ، وتسهيل الرزق ، وغفران السيئات والفوز بالجنات ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وقال تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب ُ وقال تعالى : إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وقال تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا والآيات في هذا المعنى كثيرة .

فيا معشر المسلمين : راقبوا الله سبحانه ، وبادروا إلى التقوى في جميع الحالات ، وحاسبوا أنفسكم عند جميع أقوالكم وأعمالكم ومعاملاتكم ، فما كان من ذلك سائغا في الشرع فلا بأس من تعاطيه ، وما كان منها محظورا في الشرع فاحذروه ، وإن ترتب عليه طمع كثير فإن ما عند الله خير وأبقى ، ومن ترك شيئا اتقاء الله عوضه الله خيرا منه ، ومتى راقب العباد ربهم واتقوه سبحانه بفعل ما أمر ، وترك ما نهى ، أعطاهم الله سبحانه ما رتب على التقوى من العزة والفلاح والرزق الواسع ، والخروج من المضايق والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة .

ولا يخفى على كل ذي لب وأدنى بصيرة ، ما قد أصاب أكثر المسلمين من قسوة القلوب والزهد في الآخرة ، والإعراض عن أسباب النجاة والإقبال على الدنيا ، وأسباب تحصيلها بكل حرص وجشع من دون تمييز بين ما يحل ويحرم ، وانهماك الأكثرين في الشهوات ، وأنواع اللهو والغفلة ، وما ذلك إلا بسبب إعراض القلوب عن الآخرة وغفلتها عن ذكر الله ومحبته ، وعن التفكر في آلائه ونعمه وآياته الظاهرة والباطنة ، وعدم الاستعداد للقاء الله ، وتذكر الوقوف بين يديه ، والانصراف من ذلك الموقف العظيم إما إلى الجنة ، وإما إلى النار .

فيا معشر المسلمين ، تداركوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم ، وتفقهوا في دينكم وبادروا إلى أداء ما أوجب الله عليكم ، واجتنبوا ما حرم عليكم لتفوزوا بالعز والأمن والهداية والسعادة في الدنيا والآخرة . وإياكم والانكباب على الدنيا وإيثارها على الآخرة ، فإن ذلك من صفة أعداء الله وأعدائكم من الكفرة والمنافقين ، ومن أعظم أسباب العذاب في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى في صفة أعدائه : إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا وقال تعالى : فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ، وأنتم لم تخلقوا للدنيا ، وإنما خلقتم للآخرة ، وأمرتم بالتزود لها ، وخلقت الدنيا لكم ، لتستعينوا بها على عبادة الله الذي خلقكم سبحانه ، والاستعداد للقائه فتستحقوا بذلك فضله وكرامته ، وجواره في جنات النعيم ، فقبيح بالعاقل أن يعرض عن عبادة خالقه ومربيه ، وعما أعده له من الكرامة ، ويشتغل عن ذلك بإيثار شهواته البهيمية ، والجشع على تحصيل عرض الدنيا الزائل ، الذي قد ضمن الله له ما هو خير منه ، وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة .

وليحذر كل مسلم أن يغتر بالأكثرين ، ويقول : إن الناس قد ساروا إلى كذا ، واعتادوا كذا ، فأنا معهم ، فإن هذه مصيبة عظمى ، قد هلك بها أكثر الماضين ، ولكن أيها العاقل ، عليك بالنظر لنفسك ومحاسبتها والتمسك بالحق وإن تركه الناس ، والحذر مما نهى الله عنه وإن فعله الناس ، فالحق أحق بالاتباع ، كما قال تعالى : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه ِ وقال تعالى : وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وقال بعض السلف رحمهم الله : ( لا تزهد في الحق لقلة السالكين ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين ) .

هذا ويسرني أن أختم نصيحتي هذه بخمسة أمور هي جماع الخير كله : الأول : الإخلاص لله وحده في جميع القربات القولية والعملية ، والحذر من الشرك كله دقيقه وجليله ، وهذا هو أوجب الواجبات وأهم الأمور ، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله ، ولا صحة لأعمال العباد وأقوالهم إلا بعد صحة هذا الأصل وسلامته ، كما قال تعالى : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ

الأمر الثاني : التفقه في القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والتمسك بهما وسؤال أهل العلم عن كل ما أشكل عليكم في أمر دينكم ، وهذا واجب على كل مسلم ، ليس له تركه والإعراض عنه ، والسير وراء رأيه وهواه بدون علم وبصيرة ، وهذا هو معنى شهادة أن محمدا رسول الله ، فإن هذه الشهادة توجب على العبد الإيمان بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقا ، والتمسك بما جاء به وتصديقه فيما أخبر به ، وألا يعبد الله سبحانه إلا بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال سبحانه : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ الآية ، وقال سبحانه : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الآية ، وقال صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته ، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد  خرجه مسلم في صحيحه . وكل من أعرض عن القرآن والسنة ، فهو متابع لهواه عاص لمولاه ، مستحق للمقت والعقوبة ، كما قال تعالى : فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّه ِ

وقال تعالى في وصف الكفار : إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى، واتباع الهوى والعياذ بالله يطمس نور القلب ، ويصد عن الحق ، كما قال تعالى : وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فاحذروا رحمكم الله اتباع الهوى ، والإعراض عن الهدى ، وعليكم بالتمسك بالحق والدعوة إليه ، والحذر ممن خالفه ، لتفوزوا بخيري الدنيا والآخرة .

الأمر الثالث : إقام الصلوات الخمس والمحافظة عليها في الجماعة ، فإنها أهم الواجبات وأعظمها بعد الشهادتين ، وهي عمود الدين والركن الثاني من أركان الإسلام ، وهي أول شيء يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة ، فمن حفظها فقد حفظ دينه ، ومن تركها فارق الإسلام ، فما أعظم حسرته وأسوأ عاقبته يوم الوقوف بين يدي الله . فعليكم رحمكم الله بالمحافظة عليها والتواصي بذلك ، والإنكار على من تخلف عنها وهجرها؛ لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بسند صحيح ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه . وقال صلى الله عليه وسلم : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان خرجه مسلم في الصحيح .

الأمر الرابع : العناية بالزكاة والحرص على أدائها كما أوجب الله ، لكونها الركن الثالث من أركان الإسلام . فيجب على كل فرد من المسلمين المكلفين ، إحصاء ما لديه من المال الزكوي ، وضبطه وإخراج زكاته كل ما حال عليه الحول ، إذا بلغ نصاب الزكاة ، ويكون طيب النفس بذلك ، منشرح الصدر أداء لما أوجبه الله ، وشكرا لنعمته ، وإحسانا إلى عباد الله ، ومتى فعل المسلم ذلك ، ضاعف الله له الأجر ، وأخلف عليه ما أنفق ، وبارك له في الباقي ، وزكاه وطهره ، كما قال الله سبحانه : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ومتى بخل بالزكاة وتهاون بأمرها ، غضب الله عليه ، ونزع بركة ماله وسلط عليه أسباب التلف والإنفاق في غير الحق ، وعذبه به يوم القيامة ، كما قال تعالى : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز ، يعذب به صاحبه يوم القيامة ، أعاذنا الله وإياكم من ذلك .

أما غير المكلف من المسلمين كالصغير والمجنون فالواجب على وليه العناية بإخراج زكاة ماله ، كلما حال عليه الحول ، لعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب الزكاة في مال المسلم ، مكلفا كان أو غير مكلف .

الأمر الخامس : يجب على كل مكلف من المسلمين ذكرا كان أو أنثى أن يطيع الله ورسوله في كل ما أمر الله به ورسوله : كصيام رمضان وحج البيت مع الاستطاعة وسائر ما أمر الله به ورسوله ، وأن يعظم حرمات الله ، ويتفكر فيما خلق لأجله وأمر به ، ويحاسب نفسه في ذلك دائما ، فإن كان قد قام بما أوجب الله عليه فرح بذلك ، وحمد الله عليه ، وسأله الثبات ، وأخذ حذره من الكبر والعجب وتزكية النفس .

وإن كان قد قصر فيما أوجب الله عليه ، أو ارتكب بعض ما حرم الله عليه ، بادر إلى التوبة الصادقة ، والندم والاستقامة على أمر الله ، والإكثار من الذكر والاستغفار والضراعة إلى الله سبحانه وسؤاله التوبة من سالف الذنوب ، والتوفيق لصالح القول والعمل ، ومتى وفق العبد لهذا الأمر العظيم فذلك عنوان سعادته ونجاته في الدنيا والآخرة ، ومتى غفل عن نفسه وسار وراء هواه وشهواته ، وأعرض عن الاستعداد لآخرته فذلك عنوان هلاكه ، ودليل خسرانه ، فلينظر كل منكم لنفسه ، وليحاسبها ويفتش عن عيوبها فسوف يجد ما يحزنه ، ويشغله بنفسه عن غيره ، ويوجب له الذل لله ، والانكسار بين يديه وسؤاله العفو والمغفرة .

وهذه المحاسبة وهذا الذل والانكسار بين يدي الله ، هو سبب السعادة والفلاح والعز في الدنيا والآخرة .

وليعلم كل مسلم أن كل ما حصل له من صحة ونعمة وجاه رفيع ، وخصب ورخاء ، فهو من فضل الله وإحسانه . وكل ما أصابه من مرض أو مصيبة أو فقر أو جدب أو تسليط عدو أو غير ذلك من المصائب ، فهو بسبب الذنوب والمعاصي .

فجميع ما في الدنيا والآخرة من العذاب والآلام وأسبابهما : فسببه معصية الله ، ومخالفة أمره ، والتهاون في حقه ، كما قال تعالى : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وقال تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

فاتقوا الله عباد الله ، وعظموا أمره ونهيه ، وبادروا بالتوبة إليه من جميع ذنوبكم واعتمدوا عليه وحده ، وتوكلوا عليه ، فإنه خالق الخلق ، ورازقهم ، ونواصيهم بيده سبحانه ، لا يملك أحد منهم لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا .

وقدموا رحمكم الله حق ربكم ، وحق رسوله على حق غيره وطاعة غيره كائنا من كان ، وتآمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، وأحسنوا الظن بالله ، وأكثروا من ذكره واستغفاره ، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، وخذوا على أيدي سفهائكم وألزموهم بما أمرهم الله به ، وامنعوهم عما نهى الله عنه ، وأحبوا في الله ، وأبغضوا في الله ، ووالوا أولياء الله ، وعادوا أعداء الله ، واصبروا وصابروا حتى تلقوا ربكم فتفوزوا بغاية السعادة والكرامة والعزة والمنازل العالية في جنات النعيم .

والله المسئول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه ، وأن يصلح قلوب الجميع ، ويعمرها بخشيته ومحبته وتقواه ، والنصح له ولعباده ، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، وأن يوفق ولاة أمرنا ، وسائر ولاة أمر المسلمين لما يرضيه ، وأن ينصر بهم الحق ، ويخذل بهم الباطل ، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

نشرت في مجلة المنهل ، المجلد 12 ، ج 10 - 11 عام 1371هـ 1952م ذو القعدة وذو الحجة ، ص 411 - 416 .







أتى هذا المقال من شبكة الفرقان السلفية
http://www.elforqane.net

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.elforqane.net/fatawa-949.html