السؤال :
فصـــل فيما يسلكه نفاة الصفات
الجواب :
وأفسد من ذلك ما يسلكه نفاة الصفات، أو بعضها إذا أرادوا أن ينزهوه عما يجب تنزيهه عنه، مما هو من أعظم الكفر، مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء ونحو ذلك، ويريدون الرد على اليهود، الذين يقولون: إنه بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة، والذين يقولون بإلهية بعض البشر وأنه الله.
فإن كثيرًا من الناس يحتج على هؤلاء بنفي التجسيم والتحيز ونحو ذلك، ويقولون: لو اتصف بهذه النقائص والآفات لكان جسمًا أو متحيزًا، وذلك ممتنع، وبسلوكهم مثل هذه الطريق استظهر عليهم هؤلاء الملاحدة، نفاة الأسماء والصفات، فإن هذه الطريقة لا يحصل بها المقصود لوجوه:
أحدها: أن وصف الله ـ تعالى ـ بهذه النقائص والآفات أظهر فسادًا في العقل والدين من نفي التحيز والتجسيم؛ فإن هذا فيه من الاشتباه والنزاع والخفاء ما ليس في ذلك، وكفر صاحب ذلك معلوم بالضرورة من دين الإسلام، والدليل معروف للمدلول ومبين له، فلا يجوز أن يستدل على الأظهر الأبين بالأخفي، كما لا يفعل مثل ذلك في الحدود.
الوجه الثاني: أن هؤلاء الذين يصفونه بهذه الصفات يمكنهم أن يقولوا: نحن لا نقول بالتجسيم والتحيز، كما يقوله من يثبت الصفات وينفي التجسيم، فيصير نزاعهم مثل نزاع مثبتة الكلام وصفات الكمال، فيصير كلام من وصف الله بصفات الكمال وصفات النقص واحدًا، ويبقى رد النفاة على الطائفتين بطريق واحد، وهذا في غاية الفساد.
الثالث: أن هؤلاء ينفون صفات الكمال بمثل هذه الطريقة، واتصافه بصفات الكمال واجب ثابت بالعقل والسمع، فيكون ذلك دليلًا على فساد هذه الطريقة.
الرابع: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون، فكل من أثبت شيئًا منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من الإثبات، كما أن كل من نفي شيئًا منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من النفي.
فمثبتة الصفات ـ كالحياة والعلم، والقدرة والكلام، والسمع والبصرـ إذا قالت لهم النفاة ـ كالمعتزلة: هذا تجسيم؛ لأن هذه الصفات أعراض، والعرض لا يقوم إلا بالجسم، أو لأنا لا نعرف موصوفًا بالصفات إلا جسمًا. قالت لهم المثبتة: وأنتم قد قلتم: إنه حي عليم قدير، وقلتم: ليس بجسم، وأنتم لا تعلمون موجودًا حيًا عالما قادرًا إلا جسمًا، فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم، فكذلك نحن. وقالوا لهم: أنتم أثبتم حيًا عالما قادرًا، بلا حياة ولا علم ولا قدرة، وهذا تناقض يعلم بضرورة العقل.
ثم هؤلاء المثبتون إذا قالوا لمن أثبت أنه يرضى ويغضب، ويحب ويبغض، أو من وصفه بالاستواء والنزول، والإتيان والمجىء، أو بالوجه واليد ونحو ذلك، إذا قالوا: هذا يقتضي التجسيم لأنا لا نعرف ما يوصف بذلك إلا ما هو جسم. قالت لهم المثبتة: فأنتم قد وصفتموه بالحياة والعلم والقدرة، والسمع والبصر والكلام، وهذا هكذا، فإذا كان هذا لا يوصف به إلا الجسم فالآخر كذلك، وإن أمكن أن يوصف بأحدهما ما ليس بجسم فالآخر كذلك، فالتفريق بينهما تفريق بين المتماثلين.
ولهذا لما كان الرد على من وصف الله ـ تعالى ـ بالنقائص بهذه الطريق طريقًا فاسدًا، لم يسلكه أحد من السلف والأئمة، فلم ينطق أحد منهم في حق الله بالجسم لا نفيًا ولا إثباتًا، ولا بالجوهر والتحيز ونحو ذلك؛ لأنها عبارات مجملة، لا تحق حقًا، ولا تبطل باطلاً.
ولهذا لم يذكر الله في كتابه، فيما أنكره على اليهود وغيرهم من الكفار، ما هو من هذا النوع، بل هذا هو من الكلام المبتدع، الذي أنكره السلف والأئمة.