السؤال :
سُئِلَ عن الميزان: هل هو عبارة عن العدل, أم له كفتان؟
الجواب :
الميزان: هو ما يوزن به الأعمال, وهو غير العدل كما دل على ذلك الكتاب والسنة مثل قوله تعالى:}فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف:8], {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: 9], وقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47].
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلمتان خفيفتان على اللسان, ثقيلتان في الميزان, حبيبتان إلى الرحمن: سبحان اللّه وبحمده, سبحان اللّه العظيم). وقال عن ساقي عبد اللّه بن مسعود: (لَهُمَا في الميزان أثقل من أحُدٍ!). وفي الترمذي وغيره حديث البطاقة, وصححه الترمذي, والحاكم, وغيرهما: في الرجل الذي يؤتى به فينشر له تسعة وتسعون سِجِلًا, كل سجل منها مَدُّ البصر, فيوضع في كِفَّة, ويؤتى له ببطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا اللّه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَطَاشَتِ السجلات, وثَقُلَتِ البطاقة).
وهذا وأمثاله مما يبين أن الأعمال توزن بموازين تبين بها رجحان الحسنات على السيئات وبالعكس, فهو ما به تبين العدل. والمقصود بالوزن: العدل, كموازين الدنيا.
وأما كيفية تلك الموازين فهو بمنزلة كيفية سائر ما أخبرنا به من الغيب.
قال الشيخ:
وأطفال الكفار أصح الأقوال فيهم: (اللّه أعلم بما كانوا عاملين) كما أجاب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح .
وطائفة من أهل الحديث وغيرهم قالوا: إنهم كلهم في النار, وذكر أنه من نصوص أحمد وهو غلط على أحمد.
وطائفة جزموا بأنهم كلهم في الجنة, واختار ذلك أبو الفرج ابن الجوزي وغيره, واحتجوا بحديث فيه رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى إبراهيم الخليل وعنده أطفال المؤمنين، قيل: يا رسول اللّه, وأطفال المشركين؟ قال: (وأطفال المشركين).
والصواب أن يقال: (اللّه أعلم بما كانوا عاملين), ولا نحكم لمُعَيَّن منهم بِجَنَّة ولا نار, وقد جاء في عدة أحاديث: (أنهم يوم القيامة في عَرَصات القيامة يؤمرون وينهون, فمن أطاع دخل الجنة, ومن عصى دخل النار). وهذا هو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن [أهل السنة والجماعة]. والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء, وهي الجنة والنار.
وأما عرصات القيامة, فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ, فيقال لأحدهم: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وقال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} الآية [القلم:42].
وقد ثبت في الصحاح ـ من غير وجه ـ حديث تَجَلى اللّه لعباده في الموقف, إذا قيل: (ليَتْبَع كلُّ قوم ما كانوا يعبدون, فيتبع المشركون آلهتهم, ويبقى المؤمنون, فيتجلى لهم الرب في غير الصورة التي يعرفون فينكرونه, ثم يتجلى لهم في الصورة التي يعرفونها, فيسجد له المؤمنون, وتبقى ظهور المنافقين كقرون البقر, يريدون السجود فلا يستطيعون). وذكر قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} الآية. والكلام على هذه الأمور مبسوط في غير هذا الموضع, واللّه أعلم.